الرئيسية   ماري عجمي

ماري عجمي

ماري عجمي

صرخة في زمن الخوف

(1888-1965)

ربما كانت أحياء دمشق القديمة وأزقتها الضيقة ما تزال تحتفظ بصوت ماري عجمي وهو يطرق البلاط الحجري ببطء،ماري عجمي طبيبة سمراء في السادسة والعشرين من عمرها تقوم كل حين بزيارة حبيبها المعتقل في السجون العثمانية، مرات كثيرة عادت ماري أدراجها خائبة لم يسمحوا لها برؤية خطيبها بترو باولي، بداية كان عليها السفر إلى لبنان حيث كان بنرو مرمياً في معتقل عاليه.

بترو مالي مراسل مجلة ماري (العروس) في بيروت منذ أن صدرت في /1910/ وكان هناك يشحذ الهمم بمقالاته الحماسية.

قامت ماري عجمي بإصدار مجلتها العروس وهي أول مجلة تنشئها وتديرها وتحررها إمرأة في الوطن العربي، الأمر الذي ساهم بجعل تاريخ الصحافة السورية ينصّب ماري عجمي رائدة الصحافة السورية، بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى بدأت السلطة العثمانية جبهات الحرب الداخلية في سورية ولبنان إلى جانب جبهاتها الخارجية، ضيّقت الخناق على أهل القلم والرأي بشراسة ، وقد أطبقت الحصار الاقتصادي وكمّت الأفواه حيث عملت على إغلاق عشرات الصحف ومنها مجلة ماري عجمي العروس، تَبِعَ تلك المواجهات العنيفة حملات الاعتقال التي استهدفت المثقفين والسياسيين والثوار، وقد غصّت بهم السجون العثمانية في لبنان وسورية.

ساهمت ماري وإلى جانبها أيضاً نازل العابد في إنشاء مدرسة بنات الشهداء أيضاً في سنة 1920، حيث انطلقت ثمرة لجهودها واهتمامها بمصير بنات الشهداء اللواتي فقدن آباءهن في الثورة التي قادها الشريف حسين عام 1916 وقد استمرت نازل فيما بعد بالاهتمام بهن ورعاية شؤونهن، وتولت إدارة مدرسة بنات الشهداء حتى أغلقها الفرنسيون ومعها المجلة والندوات التي تعقدها.

كانت ماري عجمي تدعو المرأة السورية على الدوام للتجمع في جمعية نسائية كبيرة في كل مدينة مبدؤها العلم وغايتها المرأة وتدعو أيضاً إلى تأسيس مدارس وطنية راقية كي لا نخرّج جيلاً نسائياً غريباً في وطن عثماني وقد انتُخبت ماري عضواً في لجنة النقد الأدبي وذلك في العام 1921.

حين توقفت الرابطة الأدبية فيما بعد بسبب الضغوط الفرنسية لم تتوقف ماري عن نشاطاتها الأدبية، ولا عن لقاءاتها الثقافية والاجتماعية، بل راحت تفتح بيتها الدمشقي العتيق في حي باب توما مستقبلة فيه الأدباء من أعضاء الرابطة الأدبية وذلك في يومي السبت والثلاثاء من كل اسبوع سالكة درب رفيقتها ماريانا مراش التي فتحت قبلها بسنوات في مدينة حلب أول صالون أدبي نسائي في الشرق، وقد أغلق في ذلك الوقت بسبب الضغوط العثمانية على أصحاب الفكر والرأي.

شهد صالون ماري عجمي مناقشات فكرية وأدبية متنوعة كانت الأفكار تُطرح ثم تناقش ابتداء بالنقاشات السياسية وانتهاء بقضايا الأدب والفكر، وربما كانت جملة فارس الخوري معروفة حين قال مداعباً ومسجلاً في إحدى اللقاءات إعجابه الواضح بماري:

 

يا أهيل العبقريةسجلوا هذي الشهادة

إن ماري العجميةهي ميّ .....زيادة

عُرفت ماري كمحدثة بارعة كما كان يردد أدباء دمشق لكنها اتخذت لذاتها وحياتها أسلوباً على سجيتها وهو أسلوب التهكّم الذي كانت تصيب بلمحاته الخاطفة ما لا يصيب غيرها بالنقد والملاحظة، فكانت ماري إذا استمعت إلى رأي لا يعجبها عاجلته ببديهتها وطبعته بالنكتة التي هي على طرف لسانها وطوع خاطرها، ولعل أبرز ما عُرفت به هو الصراحة، الصراحة التي جافاها من أجلها الذين يصطنعون في حياتهم المجاملة والمداورة وانفضّ من حولها كثير ممن شاركتهم في الحياة الصحفية والأدبية، وتناسوا مجالسها الحافلة يوم كانت ريحانة دمشق الاسم الذي أُطلق عليها ريحانة الشعر والفن .

إن ماري عجمي التي تمتلك قسطاً وافراً من الجمال، كانت قادرة في يوم من الأيام على كسر تلك العقدة المرتبطة بقدرة المرأة على التأثير بثقافتها وبيانها وليس بسحر أنوثتها، وتخطي المحاذير الاجتماعية في ذاك الزمن من اختلاطها بالرجال وقد كسبت ماري بسبب تلك الثقة العالية بنفسها إصغاء جميع جلسائها من صفوة المجتمع الثقافي.

نختم ببعض أعمالها الشعرية التي تتغنى بمحل سكنها ومنزلها الجميل.

أنا والأنغام في مسمعي

تدوّي وحر الشوق في أضلعي

تردد الأصداء مخضوبة

بما نزا في كبد موجع

على جناح الليل في وحشة

معقودة الأطراف ليست تعي

يا صلتي بالكون في وحدتي

إذا دجا ليل النوى الأروع

مدي بهذا الصوت يا طالما

حملت إلى الملأ الأرفع

أكل ما يبقيه دهر لنا

سلك من الفولاذ في المخدع

 

 

بيت ماري ذو الممر الطويل والنوافذ المفتوحة على حوشيه المليئين بالأزهار والنباتات الخضراء، كانت معتزلها الذي بقيت فيه سنوات طويلة وأختها هيلين، وقد استحكمت الشيخوخة بروحها وجسدها، تمكن اليأس أخيراً من اللبوة ودبّ في أعطافها وباتت أسيرة الوحدة القاتلة فيما بقي جهاز الراديو نافذة روحها على العالم، أنيسها الوحيد وسميرها المفضل:

توفيت ماري عجمي وحيدةً عجوزاً، كأن التاريخ يعيد ما حدث لماريانا مراش قبلها بسنوات طويلة، وكأنه مصير حاملات مشاعل التغيير في زمن العتمة والجهل والركود.

في يوم السبت 25/12/1965 شيّع جثمان ماري عجمي في الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس بدمشق، ودفنت في مقبرة باب شرقي وأقام اتحاد الجمعيات النسائية بدمشق في 25/4/1966 حفل تأبين على مدرج جامعة دمشق وتكلم في ذلك الحفل: ريما العظمة، سعاد نصير، وداد سكاكيني، عفيفة صعب، فؤاد الشايب، رئيف الخوري، جان كميد، د. كاظم داغستاني، أمين نخلة، د.جدعون المحاسب، ونبيل الظواهرة. وقامت شقيقتها إيلين عجمي بجمع كل ما قيل في الحفل في كتاب أصدرته في السنة ذاتها.

غسان الشحادة



عدد المشاهدات: 6223

الموسيقى .... ثقافة و علاج

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-06-20

قراءة في كتاب

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2016-11-08

الاينيادة ( Aeneid)

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-01-03

ماري عجمي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2015-10-18



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى