الرئيسية   نبع عين الفيجة

نبع عين الفيجة

نبع عين الفيجة

آمنت بالله واستـثـنيــت جنـتـــه ..... دمشـق روحٌ وجنـاتٌ وريحــان

قال الرفاق وقـد هـبّـت خمائـلها ..... الأرض دارٌ لها الفيحاء بستــان

جرى وصفق يلقــانا بها بـردى ..... كمـا تلقـاك دون الخـلد رضوان

دخــلـتـهـا وحـواشـيــها زمـردة ..... والشمس فوق لجين الماء عقيان

والحور في دمراً وحول هامتها ..... حور كواشف عن ساق و ولدان

وربوة الواد في جلباب راقصةٍ ..... الســـاق كاسيـةٌ والنهـر عريــان

روعة من المعاني اختصر بها أمير الشعراء أحمد شوقي جمال دمشق وثراها...

فالشآم لمن عرفها جنة الله على الأرض، تلتهب جوارح كل من دنا عليها للقياها والعودة إليها، وفي شريانه نبضٌ من دفق بردى، هو للروح حياةٌ، كما هو لدمشق روحها....

تميزت مدينة دمشق بموقعها في حوضة دمشق التي وهبتها الطبيعة مخزون مائي ضخم، يؤمن حاجة مواطنيها على رحب مساحتها من الماء العذب، حيث تجتمع في وادي بردى عدة ينابيع عرفت بغزارة مياهها..أهمها:

نبع الفيجة

يقع نبع الفيجة في بلدة «عين الفيجة»، إحدى البلدات الواقعة على طول مجرى وادي نهر بردى وعلى بعد 18كم شمال غرب مدينة دمشق بمنسوب يزيد قليلاً على 823م فوق سطح البحر.

يمتد الحوض الصباب لهذا النبع على طول الحدود السورية اللبنانية مغزلياً بعرض نحو 12كم وطول60كم تقريباً فوق سلسلة جبال لبنان الشرقية، وذلك من موقع النبع في بلدة الفيجة أخفض نقطة بالاتجاه الجنوبي الغربي للحوض، وباتجاه الشمال الشرقي حيث تصل بعض القمم الواقعة في الحوض الصباب إلى ارتفاع 2629م فوق سطح البحر.

يحدُّ الحوض الصباب من الغرب بلدات مضايا» و«بلودان» و«سرغايا» و«بعلبك» ومن الشرق «حلبون» و«رنكوس» و«عسال الورد»، ومن الشمال «قارة»، وتقع ضمن هذا الحوض قريتان صغيرتان هما «هريرة قرب مضايا و«إفرة» قرب الفيجة ..

يتمتع الحوض الصباب لنبع الفيجة بوقوعه بين قمم الجبال التي ترتفع حتى 2600م عن سطح البحر مما يجعل معظم الهطل فوقه في فترة الشتاء ثلجياً، كما يجعله بعيداً عن المناطق المأهولة ومصادر التلوث، كذلك فإن البنية المتشققة للصخور المكونة لهذا النبع تسمح بتسرب كمية كبيرة من المياه الهاطلة بسرعة إلى باطن الأرض حاملة معها البرودة والنقاء مشكّلة مصدراً استثنائياً للمياه من حيث العذوبة والغزارة ..

لاتزيد درجـة حـرارة مياه نبع الفيجة على 13درجـة مئوية ويصل مجموع الأمـلاح فيها إلى 170ملغ/ليتر (المواصفات الخاصة بمياه الشرب تسمح بنسبة أملاح تصل إلى 1000ملغ في اللتر)، وتصل القساوة الكلية لمياه نبع الفيجة (أي مجموعة كربونات الكلسيوم والمغنزيوم) إلى 16درجة فرنسية (في حين تسمح مواصفات مياه الشرب بالوصول إلى50 درجة فرنسية ).

وللحفاظ على جودة هذه المياه الطبيعية الفريدة ونقائها بمواصفاتها أُصدر القانون رقم/10/لعام 1989 الخاص بحماية حوض نبع الفيجة بهدف الحد من انتشار أي نشاطات بشرية يمكن أن تؤدي إلى تلوث مياه الحوض الصباب، والإضرار بالبيئة المحيطة به، وذلك بسبب مساميته العالية التي من الممكن أن تنقل الملوثات بسهولة إلى أعماق الحوض فتضرّ بهذا المصدر الطبيعي الفريد من نوعه الذي يكوّن أحد أُسُس دوام الحياة في مدينة دمشق.

يتحد نبع الفيجة مع نهر بردى عند قرية «الفيجة» مكوّناً الرافد الرئيسي لبردى إذ تصل غزارته إلى ضعف غزارة نهر بردى تقريباً مما جعل هذا النبع ومنذ القِدم يهبُ باتحاده مع نهر بردى الحياة إلى دمشق التي تمثل أقدم عاصمة مأهولة في العالم.

وقد بدأت تغذية مدينة دمشق بالمياه من هذا النبع في زمن الوالي المصلح ناظم باشا في أوائل القرن العشرين في سنة 1906، حيث تم جر مياه عين الفيجة إلى دمشق عبر قساطل معدنية، وقد ألف لذلك جمعية كان من أعضائها شيخ علماء الشام عبد المحسن أفندي الأسطواني، وعطا باشا البكري والشيخ محمود أبو الشامات والدالاتي.

وقد تم إنشاء أربعمائة سبيل في مختلف الأحياء السكنية لتأمين شرب مياه نقية لسكانها تصل إلى السبلان من خزانين بنيا في سفح جبل قاسيون يضخان الماء بمعدل ساعتين يومياً في الصباح وساعتين في المساء.‏

بعد ذلك وعند بداية الاحتلال الفرنسي لسورية حاولت شركة فرنسية الحصول على امتياز مشروع مد مياه النبع لمدينة دمشق، لتقوم هي ببيع المياه لسكان المدينة ولكن الشرفاء من أهالي دمشق ووجهائها وقفوا في وجه المشروع وقاموا بتشكيل شركة مساهمة وطنية أهلية، سميت جمعية ملاكي المياه بدمشق، انبثقت عنها لجنة سميت لجنة مياه عين الفيجة برئاسة السيد لطفي الحفار وعضوية السادة أعضاء غرفة التجارة .

تجسدت مهام تلك اللجنة بتنفيذ المشروع وتمويله، وبلغت تكلفه المشروع مائتان وسبعون ألف ليرة ذهبية عثمانية، ولتأمين التمويل اللازم قامت اللجنة بطرح أسهم من الشركة على شكل حصة  دائمة من مياه النبع ( حق إرتفاق ) دائم و حدد مبلغ (  30 ليرة عثمانية ) للمتر المكعب الواحد من المياه, وبلغ عدد المشتركين في العام 1932 أربعة آلاف مشترك.

 هذا وكلف السيد رشدي سلهب كبير مهندسي وزارة الأشغال لدراسة المشروع الذي تقرر تنفيذه عبر حفر قناة في الجبال وبطول ( 16.8 ) كم  ومقطعها مربع طول ضلعه ( 1.3 ) متر تعلوه نصف دائرة قطرها ( 1.3 ) متر  لتصل المياه إلى مدينة دمشق وتخزن في ثلاثة خزانات الأول خزان الوالي وسعته

( 1500 ) متر مكعب يقع على منسوب ( 800 ) متر تتغذى منها المنطقة الوسطى من المدينة وخزان الفواخير على منسوب ( 750 ) متر  وسعته ( 1500 ) متر مكعب، ويتغذى من خزان الوالي ويغذي المنطقة المنخفضة من المدينة، والخزان الثالث خزان قاسيون وسعته ( 500 ) متر مكعب يتغذى من خزان الوالي بواسطة مضخة هيدروليكية ليغذي المناطق العالية من المدينة، ومن ثم يتم توزيع المياه على الأحياء عبر شبكة توزيع من أنابيب الفونت.

ما زالت هذه الخزانات تستخدم ليومنا هذا، إلا أن شبكة التوزيع البالية قد استبدلت بالكامل, كما أنه ونتيجة للتوسع السكاني الكبير فقد تم بناء خزانات إضافية، و تم مد قناة جر جديدة خلال سبعينات القرن العشرين لتقويم بتغذية المدينة بعد التوسع، كما تم إضافة مياه نبع بردى لتغذية الشبكة، إضافة للمصادر الأخرى لتغطية حاجة المدينة والتي تبلغ(430) ألف متر مكعب من المياه يومياً.

يفتخر أهالي دمشق بأنهم يشربون المياه من أحد أعذب الينابيع في العالم وأنقاها، كما يفخر أهالي بلدة عين الفيجة وقرى وبلدات وادي بردى بأنهم يرعون المياه التي تغذي العاصمة التاريخية دمشق، ويحرصون على وصولها آمنة لسكانها, من الجدير بالذكر أن دمشق تعيش اليوم حالة من الشح المائي بسبب التخريب لساتر النبع الذي قام به المسلحون الذين تم جلبهم من خارج القطر، ولكن بهمة وعزيمة الجيش العربي السوري والشرفاء من أهالي المنطقة ستعود قريباً مياه نبع الفيجة لتغذي أقدم عاصمة في التاريخ.

 

حسان الترك



عدد المشاهدات: 5436



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى