الرئيسية   هل عرف العرب الإعلان قديما؟

هل عرف العرب الإعلان قديما؟

هل عرف العرب الإعلان قديما؟

 

كتب أحمد العمار:

الإعلان كممارسة ظاهرة قديمة جدا، إذ ترجع بداياته- برأينا- إلى رغبة الإنسان منذ فجر التاريخ ببيع السلع والخدمات، بعد أن أصبح لديه بعض الوفر في الإنتاج، أو عرض قوة عمله على الآخرين، وقد استدعى ذلك: اللجوء إلى المناداة في الأسواق، أو ارتداء زي معين، أو وضع شعار ما لتمييز مهنة عن أخرى، أو للدلالة على مكانة معينة، أو اعتقاد معين، من ذلك ما كان يلبس رجال الدين والكهنة والعرافين، إلى جانب ما يتم تمييز دور العبادة به من ألوان المباني وأشكالها، والعلامات التي تتخذ كشعار لها، ومن ذلك أيضا النقوش التي وجدت على المعابد والآثار للعديد من الأمم والحضارات، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك..

          ومن الراجح أن الإعلان كان معروفا لدى بعض الشعوب القديمة قبل ثلاثة آلاف سنة على الأقل، كما تذكر موسوعة  (APOLLO)  العالمية، فالإعلان عن الوظائف الشاغرة مثلا كان معروفا عند قدامى اليونان، كما أن ابن بطوطة يشير في رحلته إلى أن أهل الصين، كانوا بارعين في فن التصوير، وكانوا يصورون من يلم ببلادهم من الغرباء، ويعلقون صورهم على الجدران، فإذا ارتكب أحدهم مخالفة تعرف الناس إلى صورته..

          ويمكن اعتبار أسواق العرب في الجاهلية مثل  (عكاظ، المربد، ذي المجن.. ) قنوات إعلانية فاعلة، إذ لم يكن الاجتماع في سوق عكاظ مثلا للتبارز بالشعر وحسب، بل لبيع وشراء الصوف والجلود والأقمشة وأدوات الزينة والسلاح والنحاس وغير ذلك.. والدليل أن هذا السوق كان محدودا بأيام معينة، شأنه شأن أسواق ومعارض هذه الأيام، يقام بين الأول والعشرين من شهر ذي القعدة من كل عام، ما يجعل التجار والشعراء يعدون لبضائعهم قبل هذا الموعد إعدادا جيدا بقصد كسب المنافسة.

          ثم إننا لا نستطيع أن ننكر أن تداول الشعر بحد ذاته كان يحمل جانبا إعلانيا وتسويقيا، إذ تتوافر فيه جوانب العملية الإعلانية كاملة، فهو إشهار من هذا الشاعر أو ذاك بأن لديه منتجا جديدا  (قصيدة) ، وثمة عملاء يتلهفون لأخذها عنه  (الشعراء) ، وهناك رسالة إعلانية  (الغرض من الشعر نحو:  الهجاء والرثاء والمدح وغيره.. ) ، وقناة لتوصيل هذه الرسالة  (المشافهة أو الإلقاء) ، ومنتجات منافسة  (القصائد الأخرى) ، ومنشأة أو جهة تتبنى الإعلان  (وهي هنا القبيلة التي غالبا ما كان الشاعر لسان حالها) ، وهناك لجنة تحكيم تختبر جودة وصلاحية المنتج  (لجنة حماية المستهلك) ، ويكفي أن نشير هنا إلى أن النابغة الذبياني، وهو من كبار الشعراء العرب، كان محكِّما رئيسا في سوق عكاظ، إذ تنصب له خيمة خاصة، وبعد أن يحضر الشعراء ليتبارزوا أمامه، يقيّم ما سمع، ويحكم على جودة صناعة الشعر، ولا يتسع المجال هنا لذكر حادثة التحكيم المشهورة بين الشاعر المخضرم حسان بن ثابت والأعشى.

          وتحدثنا كتب التراث عن قضايا كثيرة للترويج عبر الشعر والأدب، ومثال ذلك ما لجأ إليه عبد العزيز بن حنتم بن شداد، وكان مئناثا  (كثير الإناث) ، ولا تخطب بناته، بأن أولم للأعشى، وأحسن ضيافته طالبا المساعدة منه في ذلك، وفعلا راح الأعشى يروج لهن في سوق عكاظ حتى تزوجن جميعا.. ومما قاله:

يا معشرَ العربِ هل منكم مذكارٌ              يزوج ابنه على الشريفِ الكرمِ

          وفي العصر الأموي، نرى ترويج الشاعر مسكين الدارمي، وهو ربيعة بن عامر بن أنيق بن شريح الدارمي، للخُمر  (بضم الخاء)  السود، وقد شكا إليه أحد التجار كسادها، ومما قال في هذا المقام:

         قل للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ               ماذا فعلتِ بناســـكٍ متعبدِ

          قد كان شمّر للصــلاةِ ثيابه                  حتى خطرتِ له ببابِ المسجدِ

          ردي عليه صــلاته وصيامه                  لا تقتليه بحقِ دينِ محــمدِ

فشاع هذا النوع من الغناء في دمشق، حتى لم تبق مليحة في المدينة إلا واشترت خمارا أسود، وهكذا نفدت بضاعة هذا التاجر كلها ..

           



عدد المشاهدات: 4230



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى