الرئيسية   نظرية القوة القاهرة ((الجزء الأول))

نظرية القوة القاهرة ((الجزء الأول))

(الجزء الأول)

نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة وأثرهما على الالتزام

العقدي في القانون المدني السوري

 

 

تنص المادة (148) م.سوري: على أن العقد شريعة المتعاقدين، وتنفيذ العقد احتراماً لقوته الملزمة يستوجب تحديد مضمون العقد وحدود هذا المضمون، وعندما يمتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد، لابد أن يكون هناك مؤيد يضمن حقوق المتعاقد الآخر.

ويجب على المتعاقدين تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وبالتالي لا يجوز نقضه ولا تعديله إلاّ باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، غير أن تنفيذ العقود يكون في بعض الأحيان عرضة لتقلبات الظروف المصاحبة لتنفيذ العقد، فقد لا تبقى على حالها طوال مدة تنفيذ العقد، فإذا طرأ تغيّر في هذه الظروف فإنه لا مجال للشك في أن ذلك سيؤثر على التزامات الطرفين المتعاقدين بحيث يجعل تنفيذ هذا الالتزام إما مرهقاً إرهاقاً فاحشاً للمدين مما يهدد بخسارة فادحة إن واصل التنفيذ على شكله الحالي، وإما مستحيلاً في التنفيذ بسبب أجنبي خارج عن إرادة المتعاقدين، وعدم التنفيذ في مثل هذه الأحوال يعتبر خرقاً لمبدأ استمرار واستقرار المعاملات ومبدأ لزوم العقد وقوته الملزمة،فعندما يصبح العقد مستحيلاً بصورة نهائية (Impossilite' dexecution) أو أن تكون استحالة التنفيذ حادث مؤقت، في الحالتين يصبح عدم التنفيذ ضاراً بحقوق الدائن مما يؤدي إلى الإخلال بقاعدة  التوازن العقدي بين الطرفين واستثناءاً على مبدأ القوة الملزمة للعقد ( Force obligatoire) والتي يصعب التحلل منها إلا عند استحالة التنفيذ لأسباب قاهرة، فعندما يصبح تنفيذ العقد مستحيلاً لسبب أو لآخر فنحن أمام القوة القاهرة ( La force majour) والتي تكون كافية لعدم التنفيذ . ويمكن للمدين في هذه الحالة الدفع بعدم المسؤولية عن نفسه استناداً لنص المادة (216) م. سوري: (( يستطيع المدين أن يدفع المسؤولية عن نفسه إذا أثبت أن الضرر وقع بسبب أجنبي وعليه تنتفي المسؤولية نتيجة قطع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهذا ما أكد عليه المشرع السوري في المادة (166) مدني: ((إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو من الغير كان غير ملزم بالتعويض عن هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق غير ذلك)).

والقوة القاهرة تعريفاً: هي كل فعل لا شأن لإرادة المدين فيه ولا يمكن توقعه ولا منعه يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة تعفي المدين من المسؤولية العقدية والتقصيرية.

أنواع القوة القاهرة:

  1. القوة القاهرة بفعل الطبيعة: (الرعد- الفيضانات- سيول- زلازل- براكين- عواصف- ثلوج- أمطار غزيرة- هلاك الزرع) فهنا تحققت القوة القاهرة بفعل الطبيعة ذاتها ولا يد للمدين في تحقق حدوثها واشتراكه بخطأ ما من قبله في تحقق وقوعها، فالإنسان عاجز هنا عن مقاومة الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى هلاك محل العقد هلاكاً كلياً وزواله ويمكن أن يصبح ركاماً وحطاماً بسبب أحد عوامل الطبيعة.

إلا أن بعض الاجتهادات القضائية لا تقر بوجود قوة قاهرة إذا لم يكن الحادث غير ممكن التوقع حتى لو استحال دفعه كما لو كان يقع في مواعيد دورية ولو متباعدة كالفيضانات والأمطار، أو يقع في بعض الأحيان كتفشي دودة القطن في بعض السنوات، فلا يعتبر الحادث قوة قاهرة إذا كان يتعين على المدين أن يتوقعه ويقوم بما يكفي لمنع وقوعه ولا يكفي لاعتبار الحادث متوقعاً أن يكون قد سبق حدوثه في الماضي طالما ليس متوقعاً تكراره وبالتالي فإن وقوع زلزال في دولة واقعة ضمن حزام الزلازل يعتبر أمر متوقع الحدوث، أما وقوعه في بلد آخر غير معروف بالتعرض للزلازل فيعتبر حادث غير متوقع ويشكل قوة قاهرة، رغم سبق وقوع هذا الزلزال في هذا البلد.

  1. القوة القاهرة بفعل الحادث البشري: كالاستيلاء والعنف والنهب والسرقة المسلحة والأمر غير المشروع المصحوب بأعمال القسر والإكراه بالقدر الذي يجعل مقاومته مستحيلة.
  2. القوة القاهرة بفعل السلطة ( أمر الدولة): وتتمثل في صدور أمر قانوني يتوجب التقيد به والامتثال لأحكامه تحت طائلة العقاب سواء كان هذا الأمر بصورة قانون أو قرارات أو أوامر إدارية أو قواعد تحظر ممارسة عمل أو مزاولة مهنة معينة. كما لو صدر قرار من الدولة بحظر التعاقد مع جنسية محددة وفرضت عقوبات لمن يخالف ذلك، فإذا ما تم إبرام العقد فإن القرار يضع العامل وصاحب العمل في مساءلة قانونية ولهذا فإن طرفي العقد أمام قوة قاهرة بفعل السلطة. وتكون أيضاً القوة القاهرة على شكل الالزام القانوني كأن تقوم الدولة بنزع ملكية عقار من مالكه عن طريق الاستملاك أو المصادرة.

ويستثنى من حالات القوة القاهرة انفجار إحدى عجلات المركبة المؤدي لإنقلابها والحاق الضرر بالمصاب، لأن انفجار دولاب السيارة لا يشكل قوة قاهرة في حوادث السير لأنه من الحوادث المتوقعة ( نقض سوري غرفة (4) ق (736) أساس 1229 تاريخ 11/4/2000، ولا يمكن اعتبار الموت قوة قاهرة لأنها حادثة يتعرض لها جميع الناس، وهي من الأمور المتوقعة لكل واحد منهم، وأن أسباب النقل وصعوبة تدبيرها وتدمير خطوط المواصلات من الأمور العادية والمتوقعة الحدوث والتي يمكن تلافيها وأن هطول الأمطار بغزارةفي فصل الشتاء لا يشكل قوة قاهرة، بل هو أمر طبيعي ومنتظر.

واشتراط عدم إمكانية التوقع في القوة القاهرة أمر بديهي ومنطقي، إذ لو كان المدين قد توقع القوة القاهرة فإنه يكون عندئذ قد أخذ على عاتقه عبء المخاطرة في حال حدوث ما يمنع من تنفيذ العقد ووضع ذلك في اعتباره بالنسبة لمدى الالتزامات الواقعة على عاتق الطرفين، فالمدين، يعتبر مخطئاً إذا كان قد توقع الحادث الذي يمنعه من تنفيذ ما التزم به ولم يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوعه، ففي حالة الغزو أو الحرب الأهلية يكون متوقعاً إمكانية الاستيلاء على البضاعة بحيث تكون الحالة الأمنية في الأسواق التجارية ومحيطها متردية وتشهد جولات عنف كثيرة مما يعرضها للسرقة والنهب والتفجيرات طالما يسود أجواء أمنية غير مستقرة لا تدعو البتة للاطمئنان، وعليه فإن ما لا يمكن توقعه في ظروف عادية يصير متوقعاً في ظروف مضطربة كما هو حال بلادنا اليوم وما نشهده من اضطرابات أمنية بحيث تنتفي القوة القاهرة متى كان بوسع المنفذ أن يكون أكثر يقظة وتبصر فيحتاط للأمر في ظل هكذا ظروف مضطرية.

ولقد استقر الاجتهاد القضائي: على أن تقرير توفر شروط القوة القاهرة يدخل في صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع متى كان مستنداً إلى أسباب سائغة، وإن القوة القاهرة غير ممكنة التوقع من أشد الناس يقظة وتبصر بالأمور.

وينحصر تطبيق القوة القاهرة في مجال الالتزام بعمل والالتزام بالامتناع عن عمل والالتزام بإعطاء شيء معين بالذات، أمّا الالتزام بإعطاء شيء معين بالنوع فيندر تطبيق القوة القاهرة وذلك لأن الأشياء المعنية بنوعها لا تهلك من حيث المبدأ، فالمدين بشيء معين بالنوع لا تبرأ ذمته على الرغم من هلاك كل ما في مستودعه من بضاعة وحتى هلاك كل مستودعات أبناء حرفته، ويرجع ذلك إلى أن المشرع يفترض في المدين أنه يستطيع الحصول دوماً على البضاعة التي تعهد بها من السوق ( داخلياً كان أم خارجياً) فالمدين بتسليم كمية من السكر لا تبرأ ذمته إذا هلك كل ما لديه من سكر لأن باستطاعته تأمين الكمية التي التزم بها والتزم بتسليمها سواء من السوق الداخلي أو الخارجي، فهنا لا تبرأ ذمة المدين من التزامه بسبب القوة القاهرة إلا أذا وصلت السلعة التي تعهد بها خارج التعامل إما على نحو دائم ( كما لو قررت الدولة احتكار سلعة معينة) أو على نحو مؤقت (كما لو صادرت الدولة البضاعة)، وعليه نرى ضرورة توافر شرطين لتحقق القوة القاهرة وهما استحالة التوقع أي عدم القدرة على توقعها واستحالة الدفع أي عدم إمكانية دفعها.

  •                                                                                    المحامي

موسى سامي خليل



عدد المشاهدات: 20468



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى