الرئيسية الوكالة العامة و الوكالة الخاصة في القانون السوري |
الوكالة العامة و الوكالة الخاصة في القانون السوري
الوكالة العامة و الوكالة الخاصة في القانون السوري
الفرق بين الوكالة الخاصة والوكالة العامة
ما زال القضاء عندنا متردداً في الحسم بشكل نهائي في مدى صلاحية الوكالة العامة، بتخويل الوكيل القيام بالتصرفات القانونية الواردة فيها من بيع, شراء, رهن, إبراء, تحكيم, صلح، إقرار, وتبرعات.
فبعض الاجتهادات أجازت للوكيل القيام بالتصرفات الواردة في الوكالة العامة، وبعضها كان متردداً, وهذا ما أدى إلى وقوع المواطنين في مصيدة خطيرة من النصب والنهب لأموالهم وأملاكهم التي سلبت منهم تحت اسم وكالة عامة, كانوا قد نظموها لمتابعة أعمالهم الخفيفة المعتادة التي يحتاجونها في سبيل قضاء أعمالهم, خاصة عندما يودون مغادرة وطنهم , فيفاجؤون عند عودتهم إلى بلدهم بأنهم قد خسروا أكثر بكثير مما اكتسبوه في غربتهم.
هذا الأمر تقع مسؤوليته على رجال القانون من قضاة ومحامين, جراء تباطؤهم عن إزالة اللبس وتوضيح الصواب, مفهوم الوكالة العامة التي هي في الحقيقة لا تخول الوكيل القيام بالتصرفات القانونية من بيع, وشراء, ورهن, وإقرار, وتبرع، وغيرها, برغم ورود هذه المفردات فيها, إنما يحتاج إلى وكالة خاصة تبين مواصفات العقار المراد بيعه، وتحديده تحديداً نافياً للجهالة,فتصبح الوكالة التي تحمل هذا الوصف والتحديد وكالة خاصة, تجيز للوكيل التصرف بموجبها بالنسبة للمحل الذي تم تحديده, أما المحل الذي لم يحدد ويعيّن تبقى الوكالة عامة بالنسبة له, تمنع الوكيل التصرف فيه بأي طريق من طرق التصرفات, وهذا ما نود في هذا المقال إثباته، لذا نهيب بالسادة المحامين والقضاة متابعته وإثرائه بالمناقشة والتمحيص تعميما للفائدة وتعميقا للمعرفة, لأن أي موضوع لا يتبلور على حقيقته, ولا تنجلي مكامنه إلا بتسليط الضوء عليه من جميع جوانبه.
النصوص القانونيـة النـاظمـة للبحـث :
نصت المادة 665 مدني على ما يلي :
- الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل.
ونصت المادة 667 مدني على ما يلي :
- الوكالة الواردة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها حتى لنوع العمل القانوني الحاصل فيه التوكيل لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة.
- ويعد من أعمال الإدارة الإيجار الذي لم تزد مدته على ثلاث سنوات, وأعمال الحفظ والصيانة واستيفاء الحقوق ووفاء الديون، ويدخل فيها أيضا كل عمل من أعمال التصرف تقتضيه الإدارة كبيع المحصول, وبيع البضاعة, أو المنقول الذي يسرع إليه التلف وشراء ما يستلزمه الشيء محل الوكالة.
ونصت المادة 668 مدني على ما يلي :
- لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة, و بوجه خاص في البيع, والرهن, والتبرعات, والصلح، والإقرار, والتحكيم, وتوجيه اليمين, والمرافعة أمام القضاء.
- الوكالة الخاصة في نوع معين من أنواع الأعمال القانونية تصح ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص إلا إذا كان العمل من التبرعات.
الوكـالة العامة المقصودة :
إن الوكالة العامة التي يعتمدها المواطنون عادة والمقصودة في هذا المقال, هي التي صدر عنها نماذج مطبوعة صادرة عن وزارة العدل, وموجود منها في المكتبات العمومية, وقد حملت عنوان وكالة عامة، و تضمنت تخويل الوكيل بإجراء جميع أنواع العقود والأعمال القانونية من بيع, وشراء, ورهن, وتبرع, وتحكيم، وقد سارت المحاكم على اعتبار تصرفات الوكلاء بهذه الأعمال القانونية التي تضمنتها الوكالة داخلة ضمن حدود التوكيل, حتى وإن هي وردت في ألفاظ عامة, ثم عمدت إلى إصدار قرارات قضائية تقضي بصحة تصرفات الوكلاء بالبيع أو الشراء أو الرهن، استنادا لنص المادة 667 مدني, مع أن هذا النص لا يبرر ذلك.
مناقشة المادة 667 مدني :
يتضح من خلال مفهوم هذه المادة أن الوكالة العامة هي الوكالة الواردة في ألفاظ عامة، التي ليس فيها تحديد لنوع العمل القانوني, أي التي لا تتضمن البيع، و الشراء, والرهن, والإقرار، فهي حينئذ تعد وكالة عامة لا تصلح إلا للأعمال الإدارية، لهذا يتمسك الوكلاء أصحاب المصلحة بهذا المفهوم أمام القضاء قائلين : إن الوكالة العامة التي نعتمدها تتضمن نوع العمل القانوني مثل :البيع, والشراء, والرهن, والصلح, والإبراء، والتبرع.
وبحسب المفهوم المخالف للفقرة الأولى من المادة 667 مدني فهي تنقلب وكالة خاصة, تجيز لنا القيام بالتصرفات التي وردت في فحواها صراحة، والقضاء السوري قد تبنى هذا التفسير, وسار عليه في أحكامه، لكن هل هذا التفسير سديد من الناحية القانونية والفقهية؟؟؟
التفسير القاصر المنغلق :
إن هذا النهج من التفسير الذي تبنته المحاكم هو تفسير صحيح فيما لو حصرنا النظر بالمادة 667 مدني وحدها, وبمعزل عن غيرها من النصوص القانونية المتعلقة بأحكام الوكالة، ولكن مع وجود نصوص قانونية أخرى معطوفة على المادة المذكورة مثل : المواد ( 665 , 668 , 134 , 151 ) من القانون المدني التي تعالج نفس الموضوع, فلا يجوز مع وجودها تفسير المادة المذكورة هكذا تفسير منزوٍ ومنغلق على ذاته, دون توسيع النظر إلى باقي النصوص لمشاركتها في الإبانة والتبيين، وبغير ذلك يكون التفسير قاصراً بشكل فاضح، و يؤدي إلى بطلان الأحكام القضائية القائمة عليه، ذلك لأن نصوص القانون متساندة تدعم بعضها بعضاً، وكذلك نص العقد أو الوكالة فإن عباراتها تُفسر بعضها بعضاً، ولا يجوز عزلها أثناء التفسير بحسب الاجتهادات المستقرة, منها الاجتهاد المنشور بالقاعدة 23 والقاعدة 24 ( التقنين المدني السوري الملحق الدوري الأول ص72 لشفيق طعمه وأديب استانبولي ).
التفسير العلمي السديد :
وعليه فإذا ما اتفقنا على أن النصوص متعاضدة في الدلالة والتفسير, وليست متعارضة أو متناقضة, فإنه ينبغي بنا في هذا السياق وضع المادة 668 مدني موضع الاعتبار عند تفسير المادة 667 مدني, وإذا ما فعلنا ذلك فإننا نجد أن النص الأول (668) هو نص خاص يتكلم عن الوكالة الخاصة, والثاني (667) هو نص عام يتكلم عن الوكالة العامة, ولأن المشرع يجب ألا يقع في اللغط والتناقض فلا يجوز تفسيرهما إلا تفسيراً توافقياً بحسب القواعد القانونية العامة للتفسير, وبما أن النص الخاص بالمفهوم الفقهي والقانوني يعقل النص العام في المجالات التي عالجها وأفتى بها, فيسري العام على جميع الأعمال التي وردت فيه, ماعدا الأعمال التي وردت في النص الخاص الذي تخصص فيها بمفرده دون غيره، مثل البيع, والشراء, والرهن, والإقرار, والصلح والإبراء، والتبرع، الأمر الذي يستدعي استبعاد هذه التصرفات عن نص المادة 667مدني، وإناطتها بالنص 668 مدني بدلاً عنه، وهذه هي وظيفة التخصيص أساساً وفق ما أوضحته قواعد الفقه التي تقول : إن التخصيص يعني قصر العام على بعض مسمياته، أو هو إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العام من حكمه، أو استعمال اللفظ الذي تناوله العام في مجال آخر.
( يراجع إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول – الشوكاني – دار السلام للنشر عام 1998 جزء أول ص 406 وما بعدها ).
ثمة من يسأل : ما نفع ألفاظ البيع، والشراء, والرهن, والتبرع الواردة في الوكالة العامة طالما لا يستطيع الوكيل القيام بها؟؟؟
إن هذا السؤال رغم وجاهته فإن عدم نفع هذه الألفاظ يكمن في تركيبتها, وفي بنيتها, التي جاءت مجردة من التحديد وخالية من التوصيف, وهذا الإطلاق الذي اعترى الألفاظ جعلها مبهمة طالما لم تنسب إلى محلها, لذا فهي مع هذا الإطلاق تعد ألفاظاً عامة لا تصلح للقيام بعمل قانوني بعينه, إنما تصلح للأعمال العامة بعمومها, والأعمال القانونية العامة معروفة لنا قانوناً, إذ أنها هي الأعمال التي تقتضيه الإدارة العامة للشيء محل التوكيل, وقد ضرب المشرع لنا في المادة 667 مدني مثالاً على الأعمال القانونية المتعلقة بالإدارة بقوله : كبيع المحصول, وبيع البضاعة، أو المنقول الذي يسرع إليه التلف, وشراء ما يستلزمه الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه واستغلاله، ففي هذا المجال من الأعمال حصراً تكمن فائدة ألفاظ التصرفات القانونية العامة الواردة في الوكالة العامة، بمعنى أنه لا يحق لمثل هذا الوكيل بيع الشيء محل الوكالة, إنما بيع ما ينتجه هذا الشيء، ولا يحق له رهن الشيء، إنما محصول هذا الشيء وثمراته، فكيف يحق للوكيل بيع الشيء في حين أن المشرع بمقتضى المادة 667 مدني قد منعه بموجب وكالته العامة من تأجير هذا الشيء الموكل به لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر؟؟؟
أي أن التأجير الذي تزيد مدته عن الثلاثة أشهر يحتاج إلى توكيل خاص واضح وصريح، يحدد فيه المدة والعقار المراد تأجيره ومواصفاته تحديداً واضحاً، و ذلك منعاً من الإضرار بالموكل, فكيف لا يكون بيع العقار أو رهنه لا يحتاج إلى توكيل خاص يحدد محل الالتزام بدقة، طالما البيع والرهن والإقرار أخطر من التأجير، فكل ما كان قليله محرماً فمن البداهة أن كثيره أكثر تحريماً؟؟؟!!!
فضلا عن ذلك فلو لم يكن لفظ : بيع، أو رهن, أو شراء لفظاً عاماً وليس خاصاً لما عدّ المشرع لفظ التأجير لفظاً عاماً، فاللفظ العام هو اللفظ المطلق الذي لا ينطوي على إضافة تحدد مكانه بدقة، أما اللفظ الخاص متى ما حصل جعل الوكالة خاصة، و ذلك وفق ما قد بينته المادتين (668 - 134 ) مدني.
المحامي
موسى سامي خليل
عدد المشاهدات: 28696 |
الوكالة العامة و الوكالة الخاصة في القانون السوري
(( المرسوم التشريعي /3/ ))
الوكالة العامة و الوكالة الخاصة في القانون السوري
النيابة في التعاقد في القانون السوري
التعليقات: