الرئيسية   تعريف التحكيم وطبيعته وشروطه

تعريف التحكيم وطبيعته وشروطه

تعريف التحكيم وطبيعته وشروطه

 

إن التحكيم بحث شيق وممتع وإن البحث في هذا الموضوع يتطلب جهداً وعناداً غير عاديين لما فيه من دقة متناهية أحياناً وغموض يرافق النص أحياناً أخرى مع فقدان وقلة المراجع التي تتحدث عن التحكيم ولعلنا في هذه الدراسة سنسلط الضوء أكثر على ما هو المقصود بشرط التحكيم وما هي الطبيعة القانونية للتحكيم والشروط الواجب توفرها في التحكيم.

تعريف التحكيم:

لقد وضع الفقهاء عدة تعاريف لصك التحكيم وكل هذه التعاريف تتفق إلى حد كبير من حيث المضمون والجوهر، وصك التحكيم يعرف كالتالي: ((هو عبارة عن عقد بين أطراف النزاع يتفقون بموجبه على طرح النزاع القائم بينهم على محكم واحد أو أكثر يرضونه أهلاً للتحكيم دون اللجوء للمحكمة المختصة أصلاً بالنظر في النزاع)). وإذا كان شرط التحكيم يجعل من التحكيم أمراً إحتمالياً فإن الصك الذي لا يتم إلا بمناسبة نزاع قائم فعلاً بين الخصوم فإنه يجعل من التحكيم أمراً مؤكداً.

وبالتالي فقد يكون صك التحكيم نتيجة قيام نزاع اشترط مسبقاً من قبل المتعاقدين علىفضه عن طريق التحكيم تبعاً لعقد معين، وقد يكون نتيجة نزاع معين قائم بين الخصوم ومن ثم اتفقوا على فضه عن طريق التحكيم دون أن يكون هناك شرط مسبق فيما بينهم على ذلك. وهذا ما أشارت إليه المادة (506) من قانون أصول المحاكمات السوري في فقرتها الثانية حيث جاء فيها "لا يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين وبشروط خاصة" وأطلق على صك التحكيم تسمية مشارطة أو (عقد) أما المشرع السوري فقد استخدم تسمية (صك) وهي التسمية التي سنعتمدها في هذا البحث.

طبيعة التحكيم:

إن صك التحكيم هو عقد رضائي ملزم للجانبين ومن عقود المعاوضة فهو عقد رضائي بمعنى أن الرضا يكفي لإنعقاده وبالتالي فهو يتم بالإيجاب والقبول بين المتعاقدين وإن كان القانون يتطلب الكتابة لإثباته فالكتابة شرط لإثبات الصك لا لوجوده. وهو عقد ملزم للجانبين بمعنى أنه يرتب التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين هي حقوق لكل منها بنفس الوقت فكل منهما يمتنع عليه الالتجاء إلى القضاء العادي في صدد النزاع المتفق على فضه عن طريق التحكيم وكل منهما أيضاً له الحق بطرح النزاع على المحكمين ويفرض حكم هؤلاء على المتعاقدين مادام مستوفياً لشرائعه القانونية، ويعد التحكيم من عقود المعاوضة لأن كلاً من المتعاقدين يتلقى فيه عوضاً عمّا التزم به.

شروط صك التحكيم:

إن صك التحكيم كعقد يجب أن تتوفر فيه كافة الشروط الموضوعية اللازمة لصحة العقود المنصوص عنها في القانون المدني السوري والتي هي الرضا والأهلية والمحل والسبب.

وكإجراء استثنائي في فض الخصومات بين أطراف النزاع قيّد القانون شرطي الأهلية والمحل من هذه الشروط الموضوعية ببعض القيود الخاصة خروجاً عن المألوف في العقود المنصوص عنها في القانون المدني كما وفرض المشرع أيضاً شروط شكلية خاصة يجب توفرها في صك التحكيم حتى يمكن الاعتداد به، وسنعرض فيما يلي كل من الشروط الشكلية والموضوعية لصك التحكيم:

-الشروط الشكلية لصك التحكيم:

لما كان التحكيم طريقاً استثنائياً في فض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية وما تكلفه من ضمانات لذا فقد تعمدّ المشرع أن يضع له شروطاً شكلية خاصة وذلك خروجاً عن القاعدة العامة المطبقة بالنسبة لغيره من العقود، فقد اشترط لإثبات الاتفاق على التحكيم الكتابة وأن يحدد به موضوع النزاع تحت طائلة عدم الاعتداد به وبطلانه.

شرط الكتابة: لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة حسب نص المادة /509/ قانون أصول المحاكمات وعليه فإن إجراءات التحكيم التي تبنى على تحكيم غير ثابت بالكتابة تعتبر باطلة بطلان مطلق متعلق بالنظام العام وعليه لا يمكن إثباته بالشهود ولا بالإقرار ولا باليمين، ولم يتطلب القانون شكلاً خاصاً لصك التحكيم فيمكن أن يكون الصك عادياً أو رسمياً كما يمكن أن يثبت محضر المحاكمة عندما يتم بمعرفة المحكمة الناظرة في النزاع.

شرط تحديد موضوع النزاع في صك التحكيم:

نصت المادة /510/ قانون أصول المحاكمات على أنه (يجب أن يحدد موضوع النزاع في صك التحكيم أو أثناء المرافعة ولو كان المحكمون مفوضين بالصلح وإلا كان التحكيم باطلاً) وبالتالي يتعين على الخصوم إذا ما رغبوا في إحالة النزاع القائم فيما بينهم على التحكيم أن ينظموا صكاً خطياً بذلك، وحتى يصبح هذا الصك صحيحاً أوجب المشرع إضافة لشرط الكتابة فيه أن يكون محدداً به موضوع النزاع أيضاً وإلا كان التحكيم باطل.

أما إذا لجأ الخصوم إلى القضاء العادي لحل النزاع ومن ثم اتفقوا على أن يكون فضّه عن طريق التحكيم فيمكن الاكتفاء في هذه الحالة بتحديد موضوع النزاع الذي جرى أثناء المحاكمة، وبعبارة أدق أنه إذا عرض النزاع بادئ الأمر على القضاء أو أصبح موضوعه محدداً وواضحاً وأراد الخصوم بعد ذلك إحالته إلى محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة فإنه يكفي في هذه الحالة أن يكون مستوفياً لشرط تحديد موضوع النزاع المنصوص عنه في المادة /510/ أصول محاكمات.

ذكر أسماء المحكمين في صك التحكيم:

يلاحظ أن قانون أصول المحاكمات السوري لم يشترط لصحة الصك ذكر أسماء المحكمين فيه سواء كانوا هؤلاء مفوضين بالحكم أو بالصلح وذلك لأنه ليس هناك حاجة لذكر أسماء المحكمين باعتبار هذا الشرط محتم مراعاته دون حاجة للتصريح عليه، ومع ذلك فإنه يمكن لأطراف النزاع أن يضمنّوا صك التحكيم الشروط التي يرتؤنها على أن لا تكون مخالفة للنظام العام أو قواعد الاختصاص، فيجوز للخصوم أن يشترطوا في صك التحكيم عدم قابلية حكم المحكمين للاستئناف مادة /532/ أصول محاكمات، كما يجوز اشتراط إعفاء المحكمين من التقيد بالأصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم مادة /521/ أصول محاكمات، ويجوز اشتراط هيئة تحكيم أجنبية أو اشتراط انعقاد جلسات التحكيم في أي بقعة من القطر أو في بلد أجنبي وتكون هذه الشروط ملزمة لأطراف التحكيم عملاً بقاعدة (أن العقد شريعة المتعاقدين) على أنه لا يجوز للخصوم اشتراط التحلل من النصوص الواردة في باب التحكيم حصراً على اعتبار أن هذه النصوص يجب مراعاتها تحت طائلة البطلان.

ولما كان صك التحكيم يشكل تنازلاً من قبل الخصوم عن الحق الذي منحهم إياه القانون في التقاضي أمام المحاكم العادية ونظراً لما يرتبه هذا التنازل من آثار هامة غاية في الخطورة قد تتعرض بموجبها مصالحهم للهدر والضياع لذا وحرصاً من المشرع على التأكد من حقيقة إرادة أطراف النزاع بالنسبة للتحكيم وصحتها، وحرصاً على إبقاء أنواع من النزاعات التي تتصل بالنظام العام أو بالمصالح العامة ضمن إطار الولاية العامة للقضاء دون أن تتعداها وعليه فرض المشرع قيود خاصة على شرطي الأهلية والمحل زيادة على القيود العامة الواردةبالنسبة لهذين الشرطين في القانون.

  •  

إن صك التحكيم كعقد يتم بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين مادة /92/ قانون مدني في إحالة ما نشأ بينهما من نزاع إلى التحكيم وبالتالي فهو ينعقد بالإيجاب والقبول، ويتعين التزام الحيطة والحذر الشديدين من أجل الوصول إلى حقيقة إرادة المتعاقدين بهذا الشأن فيجب أن تكون هذه الإرادة كاملة وصحيحة وواضحة فإذا انتفت هذه الإرادة يكون الصك باطلاً وهو بحكم المعدوم كأن يصدر عن صبي غير مميز أو مجنون أو معتوه وإذا كانت الإرادة ناقصة فإن الصك يعتبر قابل للإبطال لمصلحة القاصر، أما إذا شابت الإرادة عيباً من عيوبها كالغلط والتدليس والإكراه والاستغلال فإن الصك يكون أيضاً قابل للإبطال ضمن الحدود التي رسمها القانون المدني لذلك استناداً لنص المادة (121وحتى 131) ويجب أن تكون الإرادة واضحة ومنصرفه تماماً إلى الرغبة في فض النزاع عن طريق التحكيم فلا يكفي عنوان في العقد بعبارة صك التحكيم إذ لابد أن يكون المقصود من إرادة المتعاقدين في هذا الصك هي التنازل عن حق اللجوء إلى القضاء العادي والرغبة الكاملة بفض النزاع عن طريق التحكيم.

  •  

بما أن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات وفيه من المخاطر ما يستدعي الخشية على حقوق المتقاضين من الهدر والضياع من جهة وتعقيد النزاعات القائمة فيما بينهم ومضاعفتها من جهة أخرى، وبما أن التحكيم لا يحقق تلك الضمانات التي تكفلها طرق التقاضي العادية، لذا فقد نص المشرع صراحة على حرمان بعض الأشخاص من الاتفاق على التحكيم أو قبوله وذلك حرصاً منه على مصالحهم من الهدر نتيجة التقاضي أمام هيئة غير رسمية لا تكفل لهم ضمانات لازمة للحفاظ عليها، فنصت المادة /507/ من أصول محاكمات على ((لا يصح التحكيم إلاّ ممن له أهلية التصرف في حقوقه)) ونصت المادة /47/ قانون مدني سوري (( لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر السن أو عته أو جنون، وكل من لم يتم السابعة يعتبر فاقد التمييز)) كما نصت المادة /111/ منه أيضاً على ((ليس للصغير غير المميز حق التصرف في ماله وتكون جميع تصرفاته باطلة)) وتطرق القانون في مواده لحالات الجنون حيث يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد شهر قرار الحجز أما إذا صدر التصرف قبل شهر قرار الحجز فلا يكون باطل إذا كانت حالة الخبول أو العته شائعة وقت انعقاد العقد أو كان الطرف الآخر على بيّنة فيها.

وعليه نرى أن عديم الأهلية لا يملك الاتفاق على التحكيم أو قبوله نظراً لعدم تمتعه بأهلية التصرف في حقوقه.

أما إذا حصل أن تعاقد عديم الأهلية على التحكيم فإنه يجوز له ولمن يمثله التمسك ببطلان التحكيم في أي مرحلة من مراحل التحكيم كما يجوز أيضاً لأي من الخصوم ولكل ذي مصلحة منهم التمسك بالبطلان (لكي لا يضار أحد بحكم مهدد بالزوال) ويمكن للمحكمة أو المحكمين بعد صدور حكم المحكمين في صدد اكسائه صيغة التنفيذ أن يثيروه من تلقاء ذاتهم في حال اكتشاف أن أحد أطراف التحكيم عديم الأهلية لأن تمثيله بالخصومة لا يكون صحيحاً والقاعدة العامة هي ((أن صحة الخصومة من النظام العام)) وعليه فإذا كان أحد أطراف صك التحكيم عديم الأهلية فإن الحكم الذي يصدر استناداً إليه يقع باطلاً وبطلانه هو بطلان مطلق.

 

غسان الشحادة

 



عدد المشاهدات: 17728



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى