الرئيسية   استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية

 

يقوم الدستور السوري على قاعدة الفصل بين السلطات وعليه فالسلطة القضائية مستقلة والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى.

تلك هي الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء، أما بالنسبة لغير الضمانات الدستورية فهناك ضمانات الحصانة التي يحتويها قانون السلطة القضائية السوري ومن أهم مواده التي تكفل الاستقلال والحصانة إحداث مجلس القضاء الأعلى مؤلفاً من رئيس الجمهورية ينوب عنه وزير العدل رئيساً ومن رئيس محكمة النقض والنائبين الأقدمين لرئيس محكمة النقض ومعاون وزير العدل والنائب العام ورئيس إدارة التفتيش أعضاء وهم جميعاً من القضاة وأن يكون أحدهم من قضاة النيابة العامة واثنان يشغلان وظائف إدارية في وزارة العدل.

هذا المجلس هو المختص بإعطاء القرار بتعيين القضاة وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم بناء على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى أو ثلاثة من أعضائه وهو المختص بالإحالة على التقاعد أو الاستيداع وبقبول الاستقالة وهو المسؤول عن الإشراف على استقلال القضاء وهو الذي يفرض العقوبات على القضاة ويحق لكل قاض لم يرد اسمه في الجداول أن يعترض على ذلك، وهو الذي يحدد أقدمية القضاة.

وحرصاً على تفرغ القاضي وهو من مستلزمات استقلاله نص على عدم جواز الجمع بين الوظائف القضائية وبين مهنة أخرى أو أي عمل تبعي عدا التدريس في كليات الحقوق ومنع عليهم الاشتغال بالسياسة وهذا بطبيعة الحال تجنباً لهم من الانحراف في مزالق الانحياز انسياقاً مع الميول والارتباطات الحزبية أو السياسية.

إن عمل القضاة معروف من ذاته وبطبيعته وهو يتطلب مبدئياً علماً وتخصصاً في القانون والأشخاص الذين يكلفون بممارسته يجب أن يكونوا قضاة نظاميين متخصصين بعلوم القانون مدربين مجربين.

والسلطة القضائية استناداً للدستور هي المرجع في تعيين القضاة وتنظيم الجهاز القضائي أي أن جميع القضاة ومختلف المحاكم ضمن نطاقها وتحت لوائها ونص الدستور على استقلالها أي أن كل محكمة أو لجنة تحدث من خارج الجهاز القضائي للسلطة القضائية فيه تجاوز على صلاحيات القضاء وعلى استقلاله وفيه خرق للقانون.

كذلك كل اقحام في ممارسة القضاء لأي شخص من خارج القضاء أي من غير القضاة التابعين للسلطة القضائية فيه أيضاً تجاوز على الصلاحيات وتجاوز على الاختصاص واعتداء على استقلال القضاء.

وعليه وبالمجمل فإن استقلال القضاء كسلطة معناه أن يتولى القضاة أنفسهم شؤون القضاة ومعناه أن المحاكم الطبيعية أي العادية التي تتألف منها هذه السلطة هي التي تختص منفردة دون سواها بالنظر والفصل في جميع ومختلف النزاعات المدنية والإدارية وكذلك في جميع الملاحقات الجزائية من غير أي استثناء واستقلال القضاء يفترض احترام وتنفيذ الأحكام.

وننقل هنا عن الفقيه اتكين ( ATKIIN) ما كتبه عن القضاة لا يصمت القانون حتى ولو كان ذلك في زمن الحرب فالقانون يتحدث باللغة ذاتها في الحرب والسلام فالقضاة لا يجاملون في أعمالهم شخصاً ويقفون حائلاً بين المواطن وبين أي اعتداء قد تحاول السلطة التنفيذية اتيانه بحقه وإيقاعه بحريته وأن عليهم أن يكون يقظين حتى لا يجد أي عمل تعسفي عماداً في القانون.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر نذكر ما حدث في فرنسا عندما تجرأ أحد نواب الحزب الديغولي ( رينيه توماسيني) (( RENE TOMACINE)) على وصف القضاة بالجبناء لأنهم لا يصدرون عقوبات رادعة فقامت مظاهرة احتجاج شارك فيها 800 قاض مع 1000 محام مما اضطر رئيس الجمهورية يوم ذاك وهو بومبيدو أن يكلف السكرتير العام للحزب بتقديم الاعتذار رسمياً للقضاة وبنشر هذا الاعتذار.

وأما ما أبلغ وأسمى من هذا وهذا كله ولا نحسب أن له مثيلاً أو شبيهاً في احترام القضاء القصة الشهيرة عندما خاصم الخليفة علي بن أبي طالب وهو خليفة خاصم يهودياً عند القاضي شريح على درع كان قد افتقده وشاهده بحيازة اليهودي فلما جلسا إلى القضاء طلب القاضي من الخليفة أن يقدم بينته فاستشهد بابنه فلم يقبل بها القاضي لأن شهادة الابن لأبيه لا تجوز شرعاً وحكم برد دعوى الخليفة مع أنه صاحب السلطة الأعلى تتجمع تحت يده جميع سلطات الدولة، وهو يملك عزل القاضي في أي وقت ومن يومها أطلق الشعار الذي لا يزال يتصدر أروقة المحاكم في البلاد العربية: ((العدل أساس الملك)).

 

 

محمد اليحيى

 



عدد المشاهدات: 11904



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى