الرئيسية   أنواع التحكيم الجزء الأول

أنواع التحكيم الجزء الأول

أنواع التحكيم

                                                الجزء الأول

هناك في التشريعات السورية عدة أنواع للتحكيم يختلف بعضها عن بعض، تبعاً لحدود إرادة الخصوم أولاً، وتبعاً لمدى الصلاحيات الممنوحة للمحكمين ثانياً، وتبعاً لموضوع النزاع في محل التحكيم ثالثاً.

وسنتولى فيما يلي بحثاً موجزاً لكل من هذه الأنواع مع بيان أهم الخصائص التي ينفرد بها وعلى عدة أجزاء نبدأ بالجزء الأول.

أولاً- أنواع التحكيم تبعاً لحدود إرادة الخصوم:

يمكننا تقسيم التحكيم في هذا الحقل إلى قسمين رئيسيين:

  • التحكيم الاختياري
  • التحكيم الإجباري

التحكيم الاختياري: وهو الذي يأتي على الخلافات العامة المتنوعة بين الناس، حيث يعتبر الخيار أصلاً في هذا النوع من التحكيم، إذ يتجسد باتفاق الخصوم عليه بموجب عقد رضائي يجب أن تتوفر فيه سائر الشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة لبقية العقود مع شيء من القيود الموضوعة لبعض هذه الشروط أو المضافة عليها،نتيجة لما هذا النوع من الاتفاقات من أهمية وخطورة على حقوق الخصوم ومصالحهم.

وهناك إلى جانب التحكيم الاختياري بصورته العامة المألوفة أنواع منه تتميز ببعض الخصائص المستقلة بها، تبعاً لظروف التعامل وطبيعة الخلافات التي قد تنشأ. مثل ذلك التحكيم في الخلافات الناشئة عن العقود الإدارية، والتحكيم في الخلافات الناشئة عن العلاقات الزراعية.

وفيما يلي خصائص كل من هذين النوعين باقتضاب:

1-التحكيم في الخلافات الناشئة عن العقود الإدارية:

إن التحكيم الذي يجري بشأن الخلافات التي تتعلق بالعقود الإدارية (عقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد....) نتيجة شرط التحكيم الذي يرد فيها، هو أحد أنواع التحكيم الاختياري الذي يتميز ببعض الخصائص المستقلة به دون غيره.

هذا وبما أن العقود الإدارية هي العقود التي تبرم فيما بين الدولة ممثلة بأشخاصها الإداريين من جهة وبين أشخاص عاديينة من جهة ثانية والغاية منها تنفيذ التزام لصالح المنفعة العامة.

لذا فإنه يمكننا أن نلخص مميزات التحكيم الذي يجري بصدد العقود الإدارية والخلافات الناشئة عن تنفيذها بما يلي:

أطراف النزاع:

مما تقدم نجد بأنه لابد من أن تكون الدولة أحد أطراف النزاع في القضية التحكيمية التي تتعلق بالخلافات الناجمة عن أي عقد إداري، حيث يكون الطرف الآخر الشخص العادي المتعاقد معها.

السلطة في الاتفاق على التحكيم:

نظراً لما في التحكيم من الخطورة على مصالح أطراف النزاع، لذا فإن المشرع الإداري لم يطلق إرادة أشخاص الدولة الإداريين للاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية التي يبرمونها، وإنما قيد هذه الإرادة بنص المادة /44/ من قانون مجلس الدولة حيث جاء في القسم الأخير منها على أنه: ( .... لا يجوز لأية وزارة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه (أي ما يعادل خمسة وأربعين ألف ليرة سورية) بغير استفتاء الإدارة المختصة (إدارة الفتوى والتشريع في مجلس الدولة).

أما بصدد التحكيم الذي يتفق عليه الشخص الإداري في مادة قيمتها خمسة آلاف جنيه وما دون فإنه يقع صحيحاً ولو لم تستفتى الإدارة المختصة بشأنه.

المحكمون:

لقد جرى العرف والعادة في العقود الإدارية أن يتم تعيين المحكمين على الشكل التالي/

  • الإدارة الممثلة في العقد              تسمي محكماً
  • الطرف الآخر في العقد              يسمي محكماً آخر.

وفي حال امتناع أي من الطرفين عن تسمية محكمه يخوّل أمر تسميته إلى جهة ما يعينها الخصوم، وإلا فتطبق بهذا الصدد القواعد العامة المتعلقة بتعيين المحكمين والمنصوص عنها في المادة /512/ من قانون أصول المحاكمات، وتكون في هذه الحالة المحكمة المختصة بتعيين المحكمين هي محكمة القضاء الإداري.

أما بشأن المحكم  المرجح فإنه غالباً ما يتفق أيضاً على أن يتم تعيينه من قبل مجلس الدولة بناء على طلب أي من أطراف النزاع.

وعلى هذا الأخير (المحكم المرجح) فور تبلغه أمر تكليفه بالمهمة إذا لم يكن يرغب في رفضها، أن يحدد موعداً لاجتماع الهيئة التحكيمية ومكان الاجتماع وبعد ذلك تحدد جلسات التحكيم وهكذا، ما لم يشترط خلاف ذلك.

موضوع النزاع:

بما أن صفة العقود الإدارية تحتم كون موضوعها يتعلق بأمر من أمور المنفعة العامة قطعاً، لذا فإن موضوع النزاع الذي يطرح على المحكمين والحالة ما ذكر يكون متصلاً بالمنفعة العامة بصورة قاطعة أيضاً، وهذا مما يجوز التحكيم بصدده كما سبق وأسلفنا.

إكساء الحكم صيغة التنفيذ:

قدمنا بأن المحكمة المختصة بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، عملاً بالقاعدة المنصوص عنها بالمادة 534 من قانون أصول المحاكمات، ولما كان مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو المختص دون غيره بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد أو بأي عقد إداري آخر (المادة 10 من قانون مجلس الدولة).

لذا عملاً بالمادة 10 المشار إليها والمادة 534 من قانون أصول المحاكمات، فإن محكمة القضاء الإداري هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع وهي وحدها صاحبة الاختصاص بإكساء حكم المحكمين المكلفين بفض النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية صيغة التنفيذ.

وقد حكم بأن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري بإعطاء حكم المحكمين صيغة التنفيذ تطبق فيه قواعد أصول المحاكمات والرقابة على سلامة الحكم تتعلق بالشكل لا بالموضوع.

أي أنه يتعين على رئيس محكمة القضاء الإداري أن ينظر في طلب إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ بصفته قاضياً للأمور المستعجلة وفي جلسة علنية يدعو لها الخصوم وسلطته في ذلك تنحصر في حدود الرقابة الشكلية لحكم المحكمين وعدم مخالفته للنظام العام فقط، ولا يجوز له التطرق إلى الموضوع.

طرق الطعن:

إن طرق الطعن في التحكيم المتعلق بالقضايا الإدارية تختلف تبعاً للحكم موضوع الطعن حسب ما يلي:

-الطعن بحكم المحكمين:

ليس هناك ما يشير إلى أصول خاصة يتعين اتباعها بشأن الطعن الطعن في أحكام المحكمين الصادرة في قضايا النزاعات الإدارية وبالتالي فإنه لابد لنا من الرجوع بهذا الصدد إلى القواعد العامة المنصوص عنها بقانون أصول المحاكمات عملاً بالمادة 3 من قانون مجلس الدولة. وقد نصت المادة 532 من قانون أصول المحاكمات على أنه ((يجوز استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة طبقاً للقواعد والمهل المقررة لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم، ولا تقبل الاستئناف إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح أو كانوا محكمين في الاستئناف أو إذا كان الخصوم قد تنازلوا صراحة عن حق الاستئناف أو إذا كان موضوع أو قيمة النزاع الجاري بشأنه التحكيم مما يفصل فيه بحكم غير قابل للاستئناف ويرفع الاستئناف إلى المحكمة التي تختص فيما لو كان النزاع صدر فيه حكم ابتدائي من المحكمة المختصة. ولا يقبل الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الطعن بطريقة النقض)).

وبالتالي فإن حكم المحكمين والحالة هذه يصدر قابلاً للاستئناف طبقاً للقواعد والمهل المقررة لاستئناف أحكام المحاكم، ما لم يكن هناك حائلاً يحول دون ذلك حسب ما هو وارد في نص المادة 532 المذكورة.

قد يقال هنا بأن محكمة القضاء الإداري هي بمثابة محكمة استئناف حسب ما يستشف من المادة 35 من قانون مجلس الدولة، وبما أنها هي المختصة أصلاً بنظر النزاعات التي تتعلق بالعقود الإدارية، لذا فإنه يعتبر المحكمون في هذه النزاعات والحالة هذه محكمون في الاستئناف وبالتالي لا يجوز الطعن في حكمهم استئنافاً.

وفي معرض الرد على ذلك نقول بأن معاملة مستشاري محكمة القضاء الإداري بمستوى مستشاري محكمة الاستئناف ينحصر في النواحي الإدارية فقط، وعليه فإن هذا لا يعني مطلقاً بان محكمة القضاء الإداري هي درجة من درجات القضاء الإداري مقابلة لمحكمة الاستئناف في القضاء المدني بينما هي محكمة من الدرجة الأولى.

وكذلك يقال بأنه لما كانت المحكمة الإدارية العليا هي بمثابة محكمة موضوع، وليست محكمة ولاية أو رقابة كما هي الحال بالنسبة لمحكمة النقض لذا فإنه يمكن التقدم بالاستئناف المتعلق بحكم المحكمين لهذه المحكمة.

في الحقيقة أنه ليس هناك في التشريع السوري ما يجيز سلوك مثل هذا السبيل للطعن بأحكام المحكمين، خاصة وأن المشرع أجاز استئناف أحكام المحكمين دون تحديد لماهية المهمة الموكلة إليهم والتي أصدروا فيها حكمهم أو تحديد لتبعية الخصوم (م532 أصول محاكمات)، مما يجعل هذا النص ينطبق على جميع الأحكام التي تصدر عن المحكمين وبكل صورها دون استثناء.

هذا ولما كان ليس بمقدورنا أيضاً أن نعتبر المحكمة الإدارية العليا جهة استئنافية يمكن التقدم بطعون الاستئناف إليها، ولو كانت محكمة موضوع إلا أنها تبقى ذات طابع قضائي خاص يختلف كلياً عن الطابع التي تتميز به محاكم الاستئناف لجهة الدرجة والولاية القضائية.

لذا وعملاً بالتشريعات القضائية النافذة فإنه لا يجوز الطعن بأحكام المحكمين أمام المحكمة الإدارية العليا لعدم الاختصاص.

وهذا بمجمله مما يؤكد قابلية حكم المحكمين للاستئناف أمام محكمة الاستئناف المدنية حسب ما هو موضح أعلاه.

وقد أيدت دائرة فحوص الطعون في المحكمة الإدارية العليا وجهة النظر هذه بقرارها رقم 23 أساس 48 تاريخ 14/6/1965 حيث جاء فيه أن ((الطعن في قرارات لجان التحكيم يخرج عن ولاية مجلس الدولة مهما كانت العيوب التي تشوبها)). وقد جاء في حيثيات هذا القرار أن اجتهاد المحكمة الإدارية العليا استقر على أن الطعن في أحكام هيئات التحكيم المؤلفة للفصل في الخلافات التي تنشب بين الجهات الإدارية ومتعهدي الأشغال العامة يخرج عن ولايتها المحددة في المادة 15 من قانون مجلس الدولة والنصوص الناظمة لها.

-الطعن بقرار رئيس محكمة القضاء الإداري المتعلق بطلب إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ:

إن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري المتعلق بإعطاء حكم المحكمين صيغة التنفيذ أو رف ذلك يخضع للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، هذا وبما أن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري بهذا الصدد يجب أن يصدر عنه بصفته قاضياً للأمور المستعجلة كما أسلفنا، لذا فإن مهل الطعن في هذا القرار التي يجب مراعاتها هي ذاتها المهل المتعلقة بالطعن في القضايا المستعجلة والمنصوص عنها بالمادة 229 من قانون أصول المحاكمات.

 

المحامي

موسى خليل



عدد المشاهدات: 9017



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى