الرئيسية   أنواع التحكيم الجزء الثالث

أنواع التحكيم الجزء الثالث

أنواع التحكيم

                                                الجزء الثالث

التحكيم في قضايا التفريق للشقاق بين الزوجين:

لقد خصص تحكيم من طبيعة حقوقية خاصة وذلك بما يتلاءم مع المبادئ الشرعية للدين الإسلامي الحنيف لحل الخلافات فيما بين الزوجين، وقد نظم المشرع أسس هذا التحكيم وأرسى قواعده الأساسية في الفصل الرابع من الباب الثالث من قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /59/ تاريخ 17/9/1953، وأفرد له المواد من 112 حتى 115 من القانون المذكور، وذلك تمشياً مع قول الله تعالى في كتابه العزيز (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً. صدق الله العظيم))، وتمشياً مع أري المذهب المالكي بهذا الصدد.

وإن لهذا النوع من التحكيم شروط خاصة يستقل بها عن غيره يمكننا أن نلخصها بما يلي:

أطراف النزاع:

حتى يمكن تطبيق هذا النوع من التحكيم يجب أن يكون أطراف النزاع زوجين بعقد شرعي صحيح وقام شقاق بينهما لا يمكن معه دوام العشرة.

كيفية اللجوء إلى التحكيم:

قدمنا بأنه لا يملك أي من الطرفين هنا سلطة الخيار في اللجوء إلى التحكيم، وإنما تنحصر سلطة إحاطة الخلاف على التحكيم في هذه الحالة بالقاضي الشرعي الذي ينظر أمامه النزاع، وذلك بعد أن يكون قد تقصى أسباب الشقاق (الضرر) ولم يصل إلى نتيجة في تقريب وجهات النظر، وبعد أن يكون قد أمهل الزوجين مدة لا تقل عن شهر أملاً بالمصالحة وإنهاء الشقاق فيما بين الزوجين، والتأكد من عدم الوصول إلى نتيجة بهذا الشأن أيضاً، وذلك إعمالاً لنص المادة 112/1و2 من قانون الأحوال الشخصية.

عدد المحكمين- تعيينهم- عزلهم:

بعد أن تنقضي المراحل المتقدم ذكرها دون جدوى يقوم القاضي المذكور بتسمية حكمين من أهل الزوجين، وإلا فمن يرى أن له قدرة على الإصلاح بينهما ويحلفهما اليمين على أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة وذلك عملاً بنص المادة 112/3 من قانون الأحوال الشخصية.

وهنا يلاحظ أن عدد المحكمين في التحكيم بقضايا الأحوال الشخصية هو عدد شفع مؤلف من اثنين فقط، خلافاً للمألوف في التحكيم الذي يجري بصدد النزاعات العامة المتقدم البحث عنه. وقد أحس المشرع في قانون الأحوال الشخصية خطورة هذا الأمر وخاصة عند اختلاف رأي المحكمين وتفرقهما حين يتعذر معه صدور تقريرهما في موضوع الخلاف ويعيق تحقيق الغاية المرجوة منه، فأجاز للقاضي عند اختلاف الحكمين أن يحكّم غيرهما أو يضم إليهما حكماً ثالثاً ويحلفه اليمين. هذا ولا يجوز إقالة المحكم بعد تعيينه إلا بمسوغ، ويملك القاضي فقط سلطة عزل المحكمين في حال اختلافهما بالرأي (م114/3 أحوال شخصية) أو مخالفتهما للقانون.

الإجراءات أمام المحكمين:

يتعين في بادئ الأمر وبعد تعيين المحكمين مباشرة تحديد موعد ومكان انعقاد المجلس العائلي ويبلغ ذلك إلى الزوجين.

وينعقد المجلس العائلي من قبل المحكمين تحت إشراف القاضي الشرعي، ولا يحضره إلا الزوجان ومن يقرر الحكمان دعوته (م113/1 أحوال شخصية). هذا ويكفي أن يشرف القاضي على المجلس العائلي في مجلس واحد فقط، وإن امتناع أحد الزوجين عن حضور هذا المجلس بعد تبليغه لا يؤثر في التحكيم (م113/2 أحوال شخصية).

وفي حال الاضطرار إلى تعيين حكم مرجح يتعين على القاضي إعادة عقد المجلس العائلي من جديد بحضوره.

وفي جميع الأحوال يتوجب على المحكمين أن يبذلا جهدهما في الإصلاح بين الزوجين (أي أنهما مفوضان بالصلح قانوناً)، فإن عجزا عنه وكانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة قررا التفريق بينهما على تمام المهر أو على قسم منه، على أن تدفعه قبل حكم القاضي بالتفريق (م114/1و2 أحوال شخصية).

يلاحظ هنا بأن التحكيم في القضايا الشرعية (الأحوال الشخصية) يجري عن طريق المحكمة الشرعية المختصة أصلاً بنظر النزاع وتحت إشرافها بكل مراحله وتطوراته، ولها أيضاً السلطة في أن تتفادى كل ما يعيق صدور النتيجة عن التحكيم (حيث لا يجوز أن ينتهي التحكيم إلا إلى نتيجة سواء أكانت سلبية أم إيجابية، ولو اقتضى الأمر تبديل الحكمين أو تعيين مرجح).

كما يلاحظ أيضاً بأن الحكمين هنا رغم أنهما مفوضان بالصلح (وبذلك الجهد للمصالحة بين طرفي الشقاق أمر مفروض عليهما) فهما لا يملكان التحلل من قواعد الأصول والإجراءات الخاصة بهذا التحكيم، كما أنهما لا يملكان أيضاً مخالفة القانون في شيء وذلك تحت طائلة تبديلهما بحكمين جديدين من قبل القاضي كما بينا.

وهذا ما يختلف كلياً مع قواعد التحكيم في النزاعات العامة العادية المتقدم البحث عنها، وخاصة مع التحكيم بالصلح.

سلطة المحكمين وواجباتهم:

إن سلطة المحكمين تنحصر في حدود المهر، وليس لهما أن يتجاوزاها لبحث الحقوق الزوجية الأخرى، كما أن لهما سلطة المصالحة بين طرفي النزاع.

هذا ويتعين على المحكمين أيضاً التعرف على أصل الشقاق وأسبابه، والبحث في الموضوع من جميع جوانبه، ومن أولى هذه الأمور التحري عن مقام الزوج ودعوته وعليهم أن يحاولوا المصالحة بين الزوجين.

تقرير المحكمين:

إن المحكمين في القضايا الشرعية لا يملكون إصدار الأحكام كما هي الحال بالنسبة للمحكمين في القضايا الأخرى، وإنما يصدرون تقارير قابلة للتصديق من قبل المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.

وبالتالي فإنه على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى القاضي، ولا يشترط أن يكون هذا التقرير معللاً وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه إذا كان موافقاً لأحكام الفصل الخاص بالتحكيم في قضايا التفريق للشقاق بين الزوجين من قانون الأحوال الشخصية (م115/1 أحوال شخصية).

ويجب أن يتضمن التقرير إشارة إلى أن المحكمين قد بذلا الجهد للإصلاح، وأن يبينا قناعتهما على سبب يصلح لبناء الحكم عليه.

هذا ولا يتوجب على الحكمين أن يقدما تقريراً مشتركاً، وإنما يمكن أن يتقدما بتقريرين منفصلين، إذا كانا كافيين للحكم ومستوفيين للشرائط اللازمة، دون اشتراط التعليل.

ويعتبر تقرير الحكمين والحالة هذه من الأسناد الرسمية وهو بذلك حجة على الناس كافة ما لم يثبت تزويره.

وفي النهاية لابد للحكمين أن يوقعا على التقرير المنظم من قبلهما سواء أكان موحداً او مقدماً على تقريرين حتى ينتج آثاره.

إكساء صيغة التنفيذ:

بما أن المحكمين في قضايا الأحوال الشخصية كما قدمنا لا يملكون سلطة إصدار الأحكام  وإنما يصدرون تقارير تقدم إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر الدعوى، أو بعبارة أخرى إلى المحكمة التي ينظر امامها النزاع فعلاً، وهذه المحكمة إذا رأت أن تقرير المحكمين موافق للأصول والقانون تحكم بمقتضاه، وإلا فإنها تسمي محكمين جدد لإجراء التحكيم مرة أخرى، حيث يعتبر التحكيم المرحلة الأولى والحالة هذه كأنه لم يكن.

وعليه فإن قواعد الإيداع والطعن التي تتعلق بحكم المحكمين الوارد ذكرها في قضايا التحكيم العامة لا تنال في شيء تقارير المحكمين في الأحوال الشخصية، فكل ما في الأمر لهذا التحكيم هو أن المحكمين بمجرد انتهائهم من مهمتهم المكلفين بها ينظمون تقريرهم الذي لا يشترط به التعليل، ويقدمونه إلى المحكمة التي سمتهم بذاتها.

وتقرير المحكمين بحد ذاته ليس له صفة الأحكام كما أنه ليس قابلاً للتنفيذ الجبري بحد ذاته، وإنما قرار المحكمة الذي يصدر على مقتضى تقرير المحكمين هو الذي يجب اتخاذ إجراءات التنفيذ بموجبه دون غيره. مما يعني أن تقرير المحكمين غير خاضع لإجراءات إكسائه صيغة التنفيذ وإنما يكون قابلاً للحكم بمقتضاه أو إلغاؤه (حسب الحال) من قبل نفس المحكمة التي جرى التحكيم عن طريقها. وإن القاضي لا ينظر التقرير بصفته قاضياً للأمور المستعجلة وإنما ينظر به بصفته العادية، وخلال النظر بالتقرير يحق لأطراف النزاع تقديم كافة مطاعنهم به أمام المحكمة.

طرق الطعن:

 إن تقرير المحكمين يكون قابلاً للطعن به أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع في معرض جلسات المحاكمة وبعد أن يتم تقديمه أمامها، وللقاضي في هذه الحالة أن يمتنع عن الحكم بمقتضى تقرير المحكمين إذا وجد أنهما خالفا به القانون أو تجاوزا صلاحياتهما المحددة قانوناً، وله في مثل هذه الحالة تبديل المحكمين وتعيين غيرهما ومع ذلك فإنه ليس للقاضي السلطة بأن يتدخل في قناعة المحكمين.

وكذلك فإن تقرير المحكمين يكون قابلاً للطعن به بطريق النقض وذلك في معرض الطعن بحكم المحكمة الذي حكم بمقتضى تقرير المحكمين، هذا وإن رقابة محكمة النقض والحالة هذه لا تتعدى الشروط الشكلية لتقرير الحكمين حيث لا رقابة لها على قناعتهما.

نفقات المحكمين:

يستحق المحكمون في كافة الأحوال تعويضاً عن أتعابهم وجهودهم التي يقدمونها في القضية التحكيمية، ما لم يسقطوا حقهم بذلك صراحة أو يبدون استعدادهم للقيام بأعباء مهمة التحكيم دون مقابل.

هذا وإن المحكمة التي تنظر في النزاع والتي تقوم بتسمية المحكمين هي التي تقدر نفقاتهما، وتكلف الجهة المدعية بأسلافها قبل البدء في عقد المجلس العائلي جلسات التحكيم وبالتالي فإن لهذه المحكمة أيضاً الولاية في تحميل النفقات والمصاريف بما فيها نفقات المحكمين على الطرف الخاسر في نتيجة الدعوى.

 

 

        المحامي

موسى سامي خليل



عدد المشاهدات: 10029



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى