الرئيسية   الفسخ القضائي للعقود في القانون المدني

الفسخ القضائي للعقود في القانون المدني

 

الفسخ القضائي للعقود في القانون المدني

  أنواع الفسخ:

تنص المادة /158/من القانون المدني السوري على أنه:

  1. في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى.
  2. ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان مالم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته. "

مجال تطبيق الفسخ:

يطبق الفسخ، بجميع أنواعه، في نطاق العقود الملزمة للجانبين وفقاً لما جاء في المادة 158/1م. س. وهذا أمر منطقي، وذلك لأن فكرة الارتباط بين الالتزامات تتوافر في هذا النوع من العقود. ونص هذه المادة جاء مطلقاً وبالتالي فإن الفسخ يطبق على جميع العقود الملزمة للجانبين بما فيها العقود الاحتمالية، كعقد الإيراد المرتب مدى الحياة. وهذا ما أكدته المادة 712. ويطبق الفسخ أيضاً على الهبة بعوض، وذلك لأن العقد في مثل هذه الحال يكون ملزماً للجانبين، طبقاً لما جاء في المادة 465. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان العوض مشترطاً لمصلحة أجنبي، فلا يحق له عند عدم تنفيذه طلب فسخ العقد وذلك لأنه ليس طرفاً فيه، وإنما يحق للواهب فقط أن يطلب فسخ العقد في مثل هذه الحال. ويطبق الفسخ أيضاً على عقد القسمة وعقد الصلح والعقود الملزمة للجانبين المستمرة، كعقد الإيجار وعقد التأمين. وكذلك يطبق الفسخ على العقود الملزمة للجانبين التامة والناقصة. ويستثنى من نطاق الفسخ العقود الملزمة لجانب واحد كالوديعة والهبة بغير عوض. وكذلك البيوع القضائية التي تتم بالمزاد العلني، وفقاً لما نصت عليه تنص المادة 430 أصول.

شروط الفسخ:

لا يمكن للدائن أن يطلب فسخ العقد إلا إذا توافرت الشرائط الآتية:

أ- أن يكون العقد ملزماً للجانبين، وقد سبق الإشارة إلى ذلك: ولكن ثار الخلاف بين الفقهاء حول طبيعة بعض العقود مثل الإعارة – أو العارية -، والرهن الحيازي والقرض. فبعضهم يرى أنها عقود ملزمة لجانب واحد وبالتالي لا تخضع للفسخ وبعضهم الآخر يقر بأنها عقود ملزمة للجانبين وبالتالي فإن الفسخ جائز فيها.

ب- عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزامه العقدي بخطأ منه: ويقصد بذلك عدم تنفيذ الالتزام، ولا يثير الأمر أي صعوبة إذا كان عدم التنفيذ كلياً، حيث يتوجب على القاضي في مثل هذه الحال أن يحكم بالفسخ شريطة أن يطلبه الدائن، وكذلك شريطة أن يكون التنفيذ العيني مستحيلاً أو لم يعد للدائن فائدة فيه. ولكن الأمر يصعب عندما يكون عدم التنفيذ جزئياً أو في حالة التأخير في التنفيذ. فهل يحكم القاضي بالفسخ، بناء على طلب الدائن، في هاتين الفرضيتين؟

في الواقع لم يحدد القانون المدني السوري، وكذلك الحال بالنسبة للقانون المدني المصري والفرنسي، درجة جسامة عدم التنفيذ الذي يمكن أن يؤدي إلى فسخ العقد. وبالمقابل فإن القضاء والفقه انكبا على هاتين المسألتين من أجل إيجاد الحلول المناسبة.

- عدم التنفيذ الجزئي: يرى بعض الفقهاء الفرنسيين أنه لا يمكن الحكم بالفسخ إلا إذا كان عدم التنفيذ متعلقاً بالتزام رئيسي. ويقترح البعض الآخر توسيع نطاق تطبيق الفسخ، ومن أجل ذلك يميز هؤلاء الفقهاء بين ثلاثة أنواع للفسخ بسبب عدم التنفيذ وهي: النوع الأول ويقوم على فكرة التوازن، حيث يرى هؤلاء الفقهاء أن الرابطة التي توجد بين الالتزامات الرئيسة في العقود الملزمة للجانبين تتطلب توافر نوع من التوازن، وإذا اختل هذا التوازن ولو بشكل يسير أياً كان سببه، فيؤدي هذا الاختلال إلى فسخ العقد الذي يعتبر في مثل هذه الحال مزيجاً من الواقع والقانون. والنوع الثاني ويحمي الغايات العملية المحددة التي أراد الأطراف تحقيقها من وراء عملية التعاقد. وتعد هذه الغايات محلاً لالتزامات ثانوية بحيث يمكن أن يؤدي عدم تنفيذ هذه الالتزامات إلى فسخ العقد، والفسخ هنا أيضاً هو مزيج من الواقع والقانون. والنوع الثالث ويسوغه الإخلال بالالتزام المتعلق بحسن النية، والفسخ هنا يعد جزاءً..

وتشـترط المادة 158/1م. س. أن لا يكون عدم التنفيذ الجزئي قليل الأهمية، فإذا كان الجزء الذي لم ينفذه قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته فعلى القاضي أن يرفض الفسخ.

التأخير في التنفيذ: يمكن أن يؤدي التأخير في تنفيذ الالتزام الكلي أو الجزئي في القانون المدني السوري، وكذلك المصري والفرنسي، إلى فسخ العقد بناء على طلب الدائن. وهذا الأمر أيضاً يدخل في السلطة التقديرية للقاضي. ويشترط من أجل الحكم بفسخ العقد بسبب التأخير في التنفيذ، أن يترتب على ذلك التأخير نتائج جسيمة بالنسبة للدائن. وهذا ما قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية في قرار صادر عنها بشأن عقد البيع مقابل إيراد مرتب مدى الحياة.

ويقتصر تطبيق الفسخ، في القانون المدني السوري، على الحالة التي يكون فيها عدم تنفيذ الالتزام ناجماً عن خطأ أحد المتعاقدين. وهذا ما يستفاد من نص المادة 158. وبالتالي إذا كان عدم التنفيذ ناجماً عن سبب أجنبي لا يد للمدين فيه، فلا يطبق الفسخ في مثل هذه الحال، وإنما يعتبر العقد مفسوخاً بحكم القانون وفقاً لما ذهبت إليه المادة 160، وهذا ما يسمى بالانفساخ وتؤدي استحالة تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي، كالقوة القاهرة، إلى انقضاء الالتزام، ويترتب على ذلك انقضاء الالتزام المقابل استناداً إلى أحكام نظرية المخاطر، أو نظرية تحمل التبعة

ج-إعذار المدين: لا يجوز للدائن، في العقود الملزمة للجانبين، أن يطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه إلا بعد أن يقوم بإعذاره، وهذا ما نصت عليه المادة 158 صراحة، ويكون الإعذار، طبقاً لنص المادة 220م. س.، بإنذار المدين بواسطة الكاتب العدل أو بما يقوم مقام الإنذار، كما يجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في القوانين الخاصة، كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر. ويعفى الدائن من الإعذار في حالات معينة نصت عليها المادة 221، وهي: إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين، أو إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع، أو إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم أنه مسروق أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك، أو إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه. وتجدر الإشارة إلى أن دعوى الفسخ تقوم مقام الإعذار، ولكن تبدو الفائدة من الإعذار السابق على رفع الدعوى في أنه يجعل القاضي أسرع استجابة إلى طلب الفسخ وبالتالي قبول الدعوى من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل القاضي أقرب إلى الحكم على المدين بالتعويض إضافة إلى الحكم بفسخ العقد. وإذا سكت الدائن عن مطالبة المدين بعد حلول أجل التنفيذ، فإن ذلك السكوت يدل على التسامح، وبالتالي لا يجوز للدائن مطالبة المدين بالتعويض عن تأخيره في تنفيذ التزامه طالما أنه لم يعذر المدين بذلك. ولكن المطالبة القضائية تقوم مقام الإعذار وبالتالي يحق للدائن أن يطالب المدين بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة تأخير المدين في تنفيذ التزامه اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية.

د- استعداد الدائن للقيام بتنفيذ التزامه: يشترط في الدائن الذي يطلب فسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه أن يكون قد نفذ التزامه، أو أن يكون على الأقل مستعداً لتنفيذ التزامه، فيما لو أراد المدين تنفيذ التزامه. أما إذا قصر الدائن في تنفيذ التزامه أو تأخر في ذلك، فلا يحق له أن يطالب بفسخ العقد. ففي عقد البيع إذا امتنع المشتري عن دفع الثمن أو إذا تأخر بدفع الثمن في الموعد المتفق عليه، لا يحق له بعد ذلك أن يطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ البائع التزامه بالتسليم. ورأينا أن القانون سمح للبائع أن يمتنع في مثل هذه الحالة عن تنفيذ التزامه بتسليم المبيع استناداً إلى قاعدة الدفع بعدم التنفيذ التي تضفي على امتناع البائع هنا طابعاً مشروعاً.

هـ- إمكانية إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد: أهم أثر من آثار الفسخ هو إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد وبالتالي لا يمكن للدائن أن يطالب بالفسخ، بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، إذا لم يكن قادراً على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد ففي عقد البيع مثلاً لا يحق للمشتري أن يرفع دعوى الفسخ إذا سبق له أن تسلم المبيع كله أو جزء منه، وبالتالي كان غير قادر على إعادة ما تسلمه للبائع، كأن يكون قد تصرف بالشيء أو أن الشيء هلك في يده. ويقتصر حق المشتري في هذه الحالة على المطالبة بالتنفيذ العيني إذا كان ما يزال ممكناً وفيه فائدة له، أو أن يطالب بالتنفيذ بمقابل أي بطريق التعويض.

 

غسان الشحادة

 



عدد المشاهدات: 16902



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى