الرئيسية   أدونيــــــــــــس

أدونيــــــــــــس

 

أدونيــــــــــــس

حين وقف الطفل علي أحمد سعيد في ربيع 1944 مرتدياً لباساً فلاحياً بسيطاً في ساحة السراي في مدينة جبلة، مبللاً بماء المطر المنهمة لكي يلقي قصيدة وطنية موزونة ومقفاة أمام رئيس الجمهورية آنذاك سكري القوتلي قبل زوال الانتداب الفرنسي بفترة قصيرة، لم يكن يدرك أن مصيره كشاعر قد تقرر نهائياً، وبأن قدر بروميثيوس سارق النار في الأسطورة اليونانية سيكون قدره، ليصبح هو رمزاً للتجديد والمغايرة في الثقافة العربية، سارقاً نارَ الحكمة ونورها، مزعزعاً المستقر في خفاياه، ومفكّكاً الآليات القديمة التي توجه بوصلتها، ولا بد أن أدونيس قد قرأ في تلك اللحظة المواجهة بين قصيدته والعالم، معنيين مختلفين: المعنى الأول خروجه الفعلي من عتمة الفقر الذي كان يطبق عليه ووضعه الخطوة الأولى على طريق شائك وطويل، لاسيما أنه لم يعرف التعليم المدرسي النظامي قبل سن الثالثة عشرة بل لم يكن قد احتك بأي معلم مدني أو حضاري ولم يشاهد سيارة أو يعرف الراديو والكهربا وطبعاً لم يكن يعرف المدينة. وكانت تلك القصيدة بمثابة بطاقة عبور وسبباً مباشراً بإرساله من قبل الدولة إلى المدرسة العلمانية الفرنسية (اللاييك) حيث قطع مراحل الدراسة قفزاً كما تصف زوجته الناقدة خالدة سعيد، قبل أن يتخرج بعد عدة أعوام من جامعة دمشق مجازاً في الفلسفة عام 1954. أما المعنى الثاني في تلك المواجهة فإنما يتمثّل بإدراك أدونيس المبكر قدرة الشعر على تغيير العالم عبر تغييره لمصيره الشخصي، من خلال التأريخ لأحلام الذات الفردية وصراعاتها الشعرية والمزاوجة بين القديم والحديث، والانفتاح على لحظة الحداثة العالمية التي كانت تتبلور بهدوء منذ بدايات القرن، وهذا ما يظهر جلياً في كتاباته النقدية اللاحقة، وكأن تلك القصيدة الكلاسيكية التي ولدت وماتت على منبر التقليد لم تكن سوى اللبنة الأولى ومنها ابتدأت مسيرة الخروج عن نسق الخطاب الشعري العربي السائد عبر تقويض مفهوم السلطة أدبياً واجتماعياً ودينياً وسياسياً.

اسمه الحقيق علي أحمد سعيد ولقب (أدونيس) الذي يرمز للخصب والانبعاث، الهجرة والتضحية، في الأسطورة اليونانية ليخلط الحقيقي بالرمزي ويضمحل الفرق بين الاسم والمسمى، كان في السابعة عشرة من عمره يكمل دراسته في ثانوية جول جمال في مدينة اللاذقية حين قرر استبدا اسمه بعد أن قرأ مقالاً عن أسطورة أدونيس العاشق الوسيم الذي يولد من موته كل عام. في ديوانه (أول الجسد- آخر البحر) 2003 يسرد أدونيس قصة أدونيس الإله، العاشق الذي ولد من رح قصيدة حب (في أساطير الأولين أنّ أدونيس الذي تألّهَ بالحب، أو الذي تولّهَ فتألّهَ، خُلق في الشعر ومنه، وُلد مع الضوء والهواء، مع الماء والنبات والعشب والزّهر... وُلد مرّاً لا بل من المرارة، بل من شجرة تبكي ويسيل دمعها مراً).

من عتمة هذه المرارة ولد الشاعر عام 1930 لأسرة فلاحية فقيرة في قرية قصابين على الساحل السوري ملتصقاً بالطبيعة وكائناتها، وكما يسرد في إحدى مداخلاته فقد كان البيت الذي ترعرع فيه مبنياً من الطين الذي يتشقق موسمياً وكان الأهل في كل موسم يكسونه بطين جديد، لكي يقدر أن يصمد في وجه المطر والريح والزمن، هناك تعلّم فك أبجدية الطبيعة البكر عبر استنفار حواسه الخمس، كما أنه أيقظ حاسة سادسة هي الحدس يتعرف من خلالها على الأسرار الكامنة فيما وراء الطبيعة والإصغاء إلى صوتها الرباني الخفي.

درس القرآن على يد والده في سن مبكرة وعلى يد شيخ القرية وكان يذهب كل يوم حافي القدمين إلى الكتّاب ليتعلم القراءة والكتابة، كما أنه انغمس في قراءة الشهر العربي القديم حافظاً على ظهر قلب قصائد المتنبي وأبي العلاء المعري وأبي تمام وأبي نواس ...وغيرهم، مما صقل موهبته اللغوية ودعّم أسلوبه البليغ المستند إلى فخامة العبارة ورفعة الصور الشعرية، وهذا ما وشم بطابعه معظم كتاباته. وقد نشر لاحقاً مختاراته من الشعر العربي الكلاسيكي في كتاب اسمه (ديوان الشعر العربي) الذي ظهر في مجلدات ثلاثة ضخمة بطبعات عديدة بين عامي 1964-1996 محرضاً قرّاءه للعودة إلى الينابيع الأولى والتعرف على لغة الأسلاف.

اشتغل أدونيس بتدريس الأدب العربي في الجامعة اللبنانية بين عامي 1970و1985 ونال منها شهادة دكتوراه في فلسفة الأدب عام 1973 عن أطروحته الشهيرة (الثابت والمتحول) بأجزائها الأربعة (الأصول- تأصيل الأصول- صدمة الحداثة وسلطة الموروث الديني- صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري) وهي تبحث في الاتباع والإبداع عند العربـ ولاسيما تفكيك جوهر الوعي الأدبي وارتباطه بسلطة التراث والأنماط المعرفية والفلسفية والدينية التي تبلور هويته، وتشكّل مختلف تياراته، وما العنوان في الثنائية التي يطرحها الكتاب سوى محاولة لتسليط الضوء على الجدلية القائمة بين المتحول والثابت.

ورغم شغفه بالتراث، ودرايته الموسوعية بمختلف تياراته المتباينة، فإن أدونيس رفض أن يظل رهينة للنص الكلاسيكي ومعاييره، فقد لعبت قراءاته للأدب الغربي والفلسفة الغربية عموماً دوراً مفصلياً في تشكيل ذائقته النقدية والشعرية، هو القائل في كتابه (الشعرية العربية): " قراءة النقد الفرنسي الحديث هي التي دلتني على حداثة النظر النقدي عند الجرجاني، خصوصاً في كل ما يتعلق بالشعرية وخاصيتها اللغوية".

وقد سلط باحثون كثر عرب وأجانب الضوء على دور الفلسفة الغربية في صياغة فكر أدونيس الذي استلهم من فلسفة هيغل المثالية نظاماً رمزياً قائماً على ثنائية الروح والجسد، الأنا والآخر، الروح والمادة، ومن نيتشه أخذ فكرة البطولة الروحية والمعرفية التي تتجاوز دائرة المألوف، ووظّف بعض معانيها الرمزية في ديوانه (أغاني مهيار الدمشقي) ، ومن هيدغر استفاد من فكرة الوجود المشروط باللغة،  وكيف أن اللغة تمثل بين الكينونة والشعر يمثل تجلياً آخر من تجليات الفكر، كلّ يعانق الآخر عناق الصوت للصدى، ويجب ألا ننسى ترجماته المتميزة لأشهر الشعراء الفرنسيين، ولاسيما سان جون بيرس، ايف بونفوا، فضلاً عن ترجمته لمسرح جورج شحادة التي يعتبرها بعض النقاد (إعادة صياغة) أكثر من ترجمات حرفية.

يظل أدونيس دليلنا إلى غسق اللغة الشعرية الذي انبلج صافياً من انبلاج الشعرية الجديدة التي بشّر بها، الشعرية التي تعمّدت بنار بروميثيوس وسقى أبجديتها وهجُ التضحية، شعرية الشك التي تهب على المعاني المستقرة، وتحيل اليقين أثراً بعد عين، شعرية الصمت الأكثر بلاغة، وهي تترجم غمغمة الأشياء إلى استعارات ناطقة حيناً خرساء حيناً، حسية تارة روحية تارة أخرى، تحمل على جناحيها صوت أدونيس المهاجر المقيم المتعدد في منفاه.

وأخيراً نذكر أهم أعمال أدونيس:

-أوراق في الريح – دار مجلة شعر 1958.

-أغني مهيار الدمشقي- دار مجلة شعر 196

-المسرح والمرايا- دار الأداب- بيروت 1968

-هذا هو اسمي- دار الآداب –بيروت 1971

-مفرد بصيغة الجمع- دار العودة- بيروت 1975

-الكتاب- الجزء الأول- دار الساقي- بيروت 1995

-الكتاب- الجزء الثاني- دار الساقي- بيروت 1998

-الكتاب- الجزء الثالث- دار الساقي- بيروت 2002

-أول الجسد آخر البحر -دار الصاقي- بيروت 2003

-وقت بين الرماد والورد – دار العودة- بيروت 1970

داراسات:

-مقدمة للشعر العربي 1971

-ومن الشعر 1972

-فاتحة لنهاية القرن 1980

مختارات:

-مختارات من شعر يوسف الخال 1982

-مختارات من شعر شوقي 1982

-مختارات من شعر الرصافي 1982

غسان الشحادة



عدد المشاهدات: 2873

ندرة اليازجي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2018-03-07

فيروز..نغم الشرق الأبدي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-11-13

صباح فخري

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2018-02-21

وديع الصافي..قديس الطرب العربي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-09-12



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى