الرئيسية   صالح العلي

صالح العلي

صالح العلي

                                                        الرحلة الشاقة من الجمر إلى الرماد

ولد صالح العلي في قرية (المريقب) التابعة لمدينة الشيخ بدر في محافظة طرطوس في عام 1885م، لعائلة عريقة في نسبها العربي، في سوريا سكن أجداد الشيخ في جبال الساحل بين صافيتا وجبلة وتتحدث المصادر عن مواجهات دامية بينهم وبين الصلبيين، ولاسيما في جوار قلعة  الحصن.

تثقف الشاب الطموح بثقافة بيئته وكانت دينية في الأغلب الأعم فحفظ القرآن وقرأ سيرة الرسول ونهج البلاغة وسيرة الأئمة وباختصار تسلح بالثقافة التقليدية التي كانت سائدة آنذاك في بيئته ومحيطه، وينبغي هنا أن نضيف لما سبق كتابته للشعر وإرثه الذي يفيض رقة وعذوبة، وقد برع الشيخ في كتابة القصائد الوجدانية ويبدو أن كتابة الشعر كانت عنصراً أساسياً ومكملاً لتلك الثقافة.

إن برزو اسم الشيخ صالح العلي كقائد عسكري للجبال الساحلية لا يعود إلى وقوفه بوجه الزحف الفرنسي إلى المشرق العربي بل إلى نهاية المرحلة العثمانية ومن المؤسف أن هذه المرحلة تفتقد إلى التوثيق الدقيق وإن كانت لا تخلو من إجماع المصادر المختلفة على تفاصيل بعينها.

والرواية الأكثر ترداداً في هذا الصدد التي تجمع عليها المصادر المختلفة أنه ما إن أعلن الشريف حسين الثورة العربية الكبرى في العام 1916 حتى راحت رسله تجوب مختلف الأصقاع العربية تبث فيها روح الثورة والتمرد على السلطة العثمانية ومن البديهي أن تلاقي تلك الدعوة استجابة كبيرة في تلك المنطقة بالذات التي عانت الويلات على امتداد الحقبة العثمانية أي طول أربعة قرون.

وأعلن الشيخ صالح العلي تبنيه دعوة الشريف حسين إلى الثورة العربية، وراح يشارك في بث الدعوة بين زوّاره وجلسائه واتصل الشريف حسين بصالح العلي ووصلت الأخبار إلى السلطة عن طريق مخبريها وقامت بمداهمة أملاكه وأحرقت داره وفي طريقها أحرقت ودمرت وخربت القرية بأسرها وما إن وصلت الأخبار إلى الشيخ حتى تناول بندقيته وامتطى فرسه وسارع إلى قريته المنكوبة برفقة خادمه الوحيد (سليم شاويش) وهناك لاحق آخر دورية تركية منسحبة فقتل ثلاثة من أفرادها وهرب الباقون وغنم الشيخ سلاح القتلى وأعاد من نهبوه إلى أصحاب المنهوبات.

أدرك الفرنسيون أنهم يواجهون خصماً لا يستهان به ويهدد بقلب الطاولة على مشاريعهم المطبوخة لاحتلال سوريا فسارعوا للاستنجاد بحلفائهم البريطانيين وقام الماريشال اللنبي قائد جيوش الحلفاء في الشرق بتوجيه رسالة إلى الشيخ صالح العلي بتاريخ 25 أيار 1919 جاء فيها: (إن الحلفاء الذين قدموا لتحرير سوريا من ظلم العثمانيين وإعطائهم الحرية والاستقلال لا يلقون منكم التكريم والحفاوة اللائقين، وإن موقفكم من القوات الفرنسية يدعو إلى الخيبة والعجب).

وطلب الضابطان الانكليزيان اللذان قاما بإيصال الرسالة من الشيخ صالح تمكين القوة الفرنسية المتمركزة في القدموس من العبور إلى طرطوس من خلال الشيخ بدر وعدم التعرض لها.

وأمر الشيخ صالح بإخلاء مدينة الشيخ بدر ولكنه في خطوة أثبتت مهارته العسكرية وصدق حدسه في آن معاً نشر رجاله على التلال المحيطة بالمدينة الصغيرة وسرعان ما اتضح أن الخطة الفرنسية كانت ترمي أساساً إلى احتلال الشيخ بدر وجاءت الأوامر من بيروت فسارعت القوة الفرنسية إلى إقامة المتاريس ثم باشرت بإطلاق نار المدافع والرشاشات على المدينة وسارع الشيخ علي إلى إصدار الأمر بالهجوم لرجاله المتربصين في التلال ودارت المعركة الحامية التي انتهت بسقوط /35/ قتيلاً فرنسياً وغنم الشيخ ورجاله الكثير من الأسلحة والعتاد.

في تشرين الأول 1919 وجه الشيخ وفداً إلى دمشق لمقابلة أعضاء الحكومة العربية وطلب المساعدة وتشكلت لجان لجمع التبرعات بدمشق، وبدأ المال والعتاد يصل تباعاً إلى الشيخ صالح، ومن الطرف الآخر استقدم الفرنسيون فرقتهم العسكرية من إفريقية والهند الصينية وراحوا يدربونهم على مواجهة حرب العصابات في الجبال والغابات.

في مطلع عام 1920 وجه الشيخ صالح العلي صفعة قاسية إلى الوجود الفرنسي في الساحل حيث بدأ الشيخ بمدينة طرطوس التي وجه إليها ثلاث كتائب واشتعلت المواجهات الدامية وكاد الشيخ أن يستولي هو ومن معه على الميناء والثكنات لولا مسارعة الأسطول الفرنسي إلى التدخل حيث انسحبوا بعد أن كبدوا الفرنسيين خسائر فادحة حاملين معهم كميات من الأسلحة والذخائر التي استولوا عليها من مستودع عسكري فرنسي.

في مطلع كانون الأول 1920 خطط الفرنسيون للهجوم على الجبال الساحلية من الغرب أي من حماة نحو مصياف وحشدوا قوات ضخمة معززة بالمدفعية واحتلوا مناطق الأدغال القريبة من مصياف وهنا هاجمهم الشيخ صالح ومن معه وضربوا مؤخرة الحملة وفصلوها عن المقدمة فتقهقرت عائدة إلى مصياف، ومرة أخرى عاود الفرنسيون الكرّة ولكن تكتيك الشيخ صالح نجح في إيقاعهم بالفخ مرة ثانية إنما في وادي أبو قبيس حيث تكدست الجثث الفرنسية في الوادي العميق وغنم الشيخ ومن معه جميع الأسلحة والعتاد والمؤن والمواد الطبية.

وانتهت الملحمة الرائعة التي سطرها شيخ جبلي عنيد، نجح في بث روح المقاومة والتصدي للمشروع الاستعماري مثلما نجح بإمكانات بسيطة في مقارعة جيش امبراطوري كبير لمدة ثلاث سنوات ونصف موجهاً إليه صفعات قاسية متتالية.

نسرين كريدي



عدد المشاهدات: 3348

ندرة اليازجي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2018-03-07

فيروز..نغم الشرق الأبدي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-11-13

صباح فخري

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2018-02-21

وديع الصافي..قديس الطرب العربي

 
 0 تعليق, بتاريخ: 2017-09-12



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى