الرئيسية   استراتيجية الحكومات في دراسة الواقع و إدارة المستقبل

استراتيجية الحكومات في دراسة الواقع و إدارة المستقبل

رحلة الاكتشاف الحقيقية ليست في البحث عن أرض جديدة، ولا عن مصادر  للموارد الأولية جديدة بل هي النظر  إلى الأمور بعيون جديدة..

هذا القول موجه إلى أولئك الذين ينظرون إلى الإدارة الحكومية على أنها شيء ثابت لا يتغير مع أن هذا غير صحيح على الإطلاق، ففي وقت من الأوقات كانت بعض الحكومات الغربية تحتكر صناعة السلاح، أما اليوم فسيكون من المضحك أن تتخلى الشركات الكبرى في أمريكا و فرنسا و بريطانيا عن صناعة السلاح لصالح الحكومة، و لم يكن متوقعاً في الماضي أن تتولى الحكومة الاهتمام بالفقراء، بل إن مفهوم الرعاية الاجتماعية و الصحية لم يكن معروفاً حتى عام 1870م، أما اليوم فإن الحكومات لا تكتفي بالاهتمام بالفقراء، بل إنها تصرف على الرعاية الاجتماعية و الصحية، و تقدم معاشات التقاعد لكل مواطن، هذا يعني أن الحكومات قابلة للتطور، و سد مكامن دورها في الواجبات، فهي مثل إدارة القطاع الخاص قادرة على التكيف مع روح العصر، و إعادة تدوير نفسها من حين لآخر .

و إذا كانت الإدارة (الحكومة) مطالبة بالتطور في كل وقت، فإنها حالياً أحوج ما تكون لإعادة استفزاز طاقاتها بأقصى درجة تستطيعها.

إن توحد أوروبا و الإتحاد السوفيتي أصبح تاريخاً، و الحرب الباردة انتهت و أوربا الغربية شكلت تكتلاً اقتصادياً، و أصبحت آسيا القلب النابض للاقتصاد العالمي، و تحول محور الصراعات العالمية من السياسة إلى الاقتصاد، و كذلك تحولت التحالفات و التكتلات من عسكرية إلى اقتصادية، و الآن أصبحت الإدارة الحكومية على مفترق طرق بسبب دخولنا عصر ما بعد الصناعة أي عصر المعلومات، لذلك تنطلق فكرة إعادة النشاط للحكومات من مبدأ أن الحكومة ليست شراً لا بد منه كما يتصور الكثيرون، بل وجودها بدورها الفاعل هو ضرورة هامة لكل المجتمعات المتحضرة، فحكومات عصر الصناعة بمركزيتها و بيروقراطيتها، و التي تعمل بطرق روتينية و متشابهة لا ترتقي إلى مستوى التحديات و المتغيرات السريعة التي تواكب عصر المعلومات، كما أن العاملين في الحكومة ليسوا هم أساس المشكلة المتمثلة في تراجع الإنتاج و الخدمات، و لكن النظام الإداري هو السبب، لأن الكثيرون ممن يفشلون في الإدارة الحكومية ينجحون في القطاع الخاص.

المشكلات التي يواجهها القطاع العام في العصر الحاضر ليست بسبب الإدارة الليبرالية، و لا بسبب الإدارة المحافظة، بل بسبب افتقار تلك الإدارة إلى الفعالية، و نجاح  أي حكومة في مسعاها إلى التطور لا يتأتى إلا من خلال هدفها الأسمى المتمثل في العدالة و تكافؤ الفرص.

طبعاً الحكومة هنا ليست هي الحكومة المركزية، بل تشمل الحكومة المركزية و حكومات المحافظات و الأقاليم و المجالس المحلية، فالحكومة لا يمكن أن تتكون من فرد، أو أن تتمثل في شخص، فهناك دائماً آلاف الإدارات الحكومية في المحافظات و المناطق و الأحياء، و هناك حكومات القطاعات المختلفة التي تدير مرافق المواصلات و المياه و الطاقة و الصحة و التعليم و غيرها..

و السؤال الذي يطرح نفسه الآن و في هذه الظروف :

 هل ماتت بعض الحكومات؟؟

قد يكون هذا الأمر صحيحاً  في بعض الدول، فما هو السبب في هذا الاعتقاد؟؟

طبعاً السبب لا يكمن في استراتيجية تلك الحكومات، و إنما يتجسد في آلية تنفيذ تلك الاستراتيجية، فهي تضع الكثير من الخطط و تنفذها،و لكن بدون فعالية فالحكومة مثلاص تعيد تنظيم التعليم و تنفق في سبيل ذلك المليارات، و لكن التعليم يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، و تفرض الحكومة القوانين لحماية البيئة و تكثف برامجها في هذا المجال، و لكن الماء و الهواء و الغذاء يصبح أكثر تلوثاً، كذلك نصبح نظم الرعاية الصحية بدون رقابة و ترتفع معدلات الجريمة على الرغم من ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي في هذا السياق، و تبقى الحكومة تطرح السؤال التالي :

هل نخفض مستوى الإنفاق أم نرفع نسبة الضرائب؟؟

يرى معظم قادة العمل الحكومي أنه لا يوجد سوى طريقتين لا ثالث لهما للخلاص، إما فرض ضرائب جديدة، أو خفض الإنفاق، و يتجاهلون الخيار الثالث الذي يقول بإمكانية الحصول على خدمات أفضل بنفس مخصصات الإنفاق الحالي، ومثل الحكومة في ذلك كمثل الرجل ذي الوزن الزائد الذي يمكن أن يخفض وزنه بممارسة الرياضة و الإقتصاد في الطعام، وبدلاً من ذلك يقوم بإجراء عملية لشفط الدهون بطرق صناعية.

إن خفض الوزن و ممارسة الرياضة هي السبيل لرفع لياقة الحكومة و زيادة فعاليتها، و طبعاً هذا لا يمنع من أن تمتلك الحكومة المراكب و أن تسيرها أيضاً و لكن عليها أن تترك عملية التجديف لغيرها، و الحكومات التي تستطيع الفصل بين التحريك (الإدارة ) و التجديف ( التشغيل ) يمكنها من الاستفادة من كفاءة و فعالية القطاع الخاص، و مشاركة القطاع الخيري أو التطوعي، إذ لا بد من المشاركة مع القطاع الخاص لزيادة إنتاجيته، و أن يعمل القطاعين بتناغم و تكامل، دون أن يلغي أحدهما دور الآخر .

إذاً..المطلوب إدارات تستطيع المنافسة ليس فقط بينها و بين القطاع الخاص، بل المنافسة أيضاً مع القطاع العام نفسه، طبعاً ليس الهدف هو المفاضلة بين القطاعين العام و الخاص، و إنما هو محاربة الاحتكار أينما وجد، فللمنافسة مزايا متعددة، منها تخفيض التكاليف و ترغم المحتكرين على الاستجابة لطلبات العملاء، و تشجع على التطوير و الخلق و الإبداع، و تخلق الغيرة و ترفع الروح المعنوية للموظفين، و هنا لا بد من وضع و تنفيذ خطط خاصة بعملية المنافسة، لأن الأسواق غير المحكومة و غير المنظمة قد تؤدي إلى الإضرار بالعدالة الاجتماعية، و يحدث هذا بصفة خاصة في قطاع الخدمات الصحية، عندما لا تقدم المنشآت الاستثمارية منها خدماتها للفئات الفقيرة، أو لا تعنى بالإسعافات الأولية و ضحايا الحوادث.

أيمن الرفاعي

12/03/2019

 

 



عدد المشاهدات: 4328



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى