الرئيسية   مـــــــــــا وراء النجــــــــــاح

مـــــــــــا وراء النجــــــــــاح

مـــــــــــا وراء النجــــــــــاح

يتحدث ستيفن ر. كوفي في الفصل الأول من كتابه العادة الثامنة عن الفشل في توظيف حماس القوى العاملة ومواهبها وذكائها وعدم القدرة على إيقاف شعور الإحباط وعدم الرضى لديهم وذلك في سياق تحليله لأسباب الخسائر التي تحل بالأشخاص والشركات والمؤسسات، ويشير ر. كوفي إلى إمكانية معالجة هذا الخلل من خلال إيجاد أسلوب جديد في التفكير أو مهارة جديدة أو عادة جديدة أسماها بالعادة الثامنة.

تمثل العادة الثامنة كما يقول ر.كوفي صوت الروح الإنسانية المفعمة بالأمل والذكاء، المرنة بطبيعتها والتي لا حدود لإمكانياتها في خدمة الفضيلة، هذا الصوت يشمل أيضاً روح المؤسسات التي سوف تبقى وتنمو وتؤثر بشكل بالغ على مستقبل العالم.

هذا الصوت الذي يتشكل من تقاطع الموهبة والحماس والحاجة والضمير الذي يدفعنا للقيام بالأمور الصحيحة، ولكي يشرح لنا ما تعنيه هذه العادة بدل القيام بعملية الوصف المجرد فقط أطلعنا على قصة محمد يونس مؤسس بنك غرامين للقروض الصغيرة في بنغلاديش حيث كانت البلاد تعاني من المجاعة والفقر ولما وجد أن هناك مفارقة ما بين دراسته للنظريات الاقتصادية والمحترمة والدافع المزري للناس الذين يحيطون به واستشعاره بأن كل تلك النظريات ليست سوى قصص ملفقة لا أثر لها على حياة الناس، أخذ يتقرب أكثر وأكثر من المجتمع الذي يعيش فيه لعله يجد ضالته ويكتشف ما يوقف هذا التردي الحاصل في أحوال الناس ومعيشتهم، ثم حدثت له حادثة دفعت به ليفكر في اتجاه جديد وذلك عندما قابل تلك المرأة التي كانت تصنع كراسي الخيزران واكتشافه أنها تكسب سنتين أمريكيين فقط كل يوم حيث أذهله بأن يعمل شخص كل هذا الجهد والاحتراف العالي لقاء هذا المبلغ الزهيد، وعندما تبين أن مجمل الربح يأخذه التاجر الذي يشتري لها الخيزران ويشترط عليها أن تبيعه الكراسي بالسعر الذي يحدده لكن دهشته كانت عندما سألها كم يكلف شراء الخيزران لتجيبه أن كلفته 20 سنتاً فقط.

لاحقاً لهذه الحادثة خرجت فكرة أن يكتب أسماء الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذا النوع من المال في القرية وعندما أنجز تلميذه المهمة صدم بأكبر صدمة في حياته حين وجد أن المبلغ الذي يحتاجه أكثر من اثنين وأربعين شخص لا يتجاوز السبعة وعشرين دولار فقط حيث أخرج المبلغ من جيبه وأعطاه إلى تلميذه ليوزعه كسلفة يعيدوها متى استطاعوا أن يبيعوا منتجاتهم.

وبعد ذلك توجه إلى المصرف ليقترح على مديره أن يقرضوا هؤلاء الفقراء ما يحتاجونه من مبالغ بسيطة لكن دون جدوى بحجة أن هؤلاء الفقراء لن يعيدوا ما سيأخذون رغم أن كل الذين منحهم مالاً أعادوه على آخر بنس لكنه دائماً كان يصطدم بجواب إدارة المصرف بأنه ربما قد ينجح في قرية لكنه لن ينجح في كل القرى حتى أصبح الأمر بينه وبين المصرف نوع من الصراع والتحدي وفي النهاية استطاع أن يقدم نفسه ككفيل وهكذا جرب في خمس قرى ونجح الأمر، ثم خطرت في باله فكرة إنشاء مصرف استغرق منه الأمر عامين لإقناع الحكومة ليطلق بعدها في الثاني من تشرين الأول عام 1983م مصرفاً مستقلاً ليصبح اليوم مصرفاً يعمل في 46 ألف قرية من خلال 1267 فرعاً مع 12 ألف موظف.

قام المصرف بإقراض أكثر من 4,5 بليون دولار منذ تأسيسه على شكل قروض تتراوح من 12 إلى 15 دولار وبمعدل لا يزيد عن مائتي دولار ويقوم بإقراض 500 مليون دولار سنوياً حتى أنه يقرض المتسولين ليتوقفوا عن التسول، قد تكون الأرقام التي يقرضها صغيرة في عالم الأعمال لكن في الواقع كان لها تأثير كبير في تغيير حياة أُسر كثيرة وانتشالهم من براثن الجوع والفقر.

بالنتيجة يمكننا أن نسترشد من هذه التجربة بأن الأشياء العظيمة التي يمكن لنا أن نقوم بها لخدمتنا وخدمة مجتمعاتنا قد لا تكون بعيدة عنا كثيراً لكن علينا فقط أن نغوص أكثر في واقعنا وننصت جيداً لنداء الضمير الذي حتماً سيوجهنا إلى ما هو مفيد.

     مهند خاسكة

                            



عدد المشاهدات: 870



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى