الرئيسية   هل يزيد الإعلان إنفاق المستهلكين؟

هل يزيد الإعلان إنفاق المستهلكين؟

هل يزيد الإعلان إنفاق المستهلكين؟

كتب أحمد العمار:

          يرى البعض أن الإعلان مسؤول مسؤولية مباشرة عن زيادة إنفاق الفرد، عبر خلق وتنمية حاجاته الشرائية، وتحريك دوافع الطلب والشراء.. فالإعلان- حسب رأيهم- يوهم المستهلك بأفضلية وجودة هذا المنتج أو ذاك على حساب المنتجات الأخرى من خلال عبارات التفضيل مثل:  أفضل، أقوى، أحدث، أسرع، أعرق، أرخص.. إلخ.

كما يوجد بين منتقدي الإعلان من يقول إن الإعلان هو  ((فن بيع ما لا يباع)) ، أو يقال أن الهدف منه هو  ((تزويغ البصر))  على طريقة ذاك البائع في أحد المحال التجارية، عندما قال لإحدى السيدات، التي سألته عن جودة الحذاء، وهو يعرضه عليها : أنا يا سيدتي لا أبيعك حذاء جيدا، بل ساقين جميلتين..

           وتوجه للإعلان انتقادات عديدة: دفع المستهلكين لشراء سلع وخدمات لا يحتاجونها أصلا، ورفع تكاليف السلعة باعتبار أن الإنفاق الإعلاني يضاف إلى سعر السلعة، كما أن الإعلان ( وخاصة في الدول النامية) يعمل على تكريس النزعة الاستهلاكية، ما يشجع الفرد على الاستهلاك بدلا من الإنتاج.

          ولكن حقيقة الأمر أن الإعلان، في حالات كثيرة، يسهم في توفير نقود المستهلك من خلال المنافسة بين عدد من الشركات التي تقدم نفس المنتج، وتضطر تحت ضغط المنافسة لتقديم عروض مغرية، هذا إلى جانب الجوائز والمسابقات والكوبونات والعبوات المجانية، التي هي في الواقع شكل من أشكال تخفيض السعر.

ولو نظرنا إلى الموضوع من الجهة المغايرة: ماذا سيحصل لو اختفى الإعلان من حياة المستهلك؟ بالتأكيد ستضعف المنافسة بين الشركات، وتقل العروض والمغريات أمام المستهلك، ما سيضطره إلى هدر مزيد من المال للحصول على السلعة المميزة.

ولعل الفيصل الرئيس في تحديد أهمية وجدوى الإعلان بالنسبة لجمهور المستهلكين هو مدى التزام المعلنيين ووسائل الإعلان  بمبادئ المصداقية وتقديم المعلومات الصحيحة والموثقة، لذا فإن أغلب دول العالم تتبنى تشريعات ومبادئ صارمة للحد من الإعلانات غير الصادقة والمضللة التي من شأنها التغرير بالمستهلكين لشراء سلع لا تتطابق مع معايير الجودة والمواصفات المرعية في الدولة، أو تجيير الممارسة الإعلانية برمتها لخلق حاجات شرائية لا تخدم احتياجات المستهلك.

إلا أن ضوابط الإعلان، وإن كانت تتقاطع عالميا عند حدود المنفعة وعدم الإضرار بالآخرين، إلا أنها تختلف بالتأكيد من مجتمع لآخر باختلاف مبادئ ومعتقدات وقيم، بل وتركيبة هذا المجتمع ديموغرافيا وعرقيا واجتماعيا ونفسيا. ففي الأنظمة الرأسمالية مثلا تكون الأولوية للمستهلك واقتصاد السوق، لأنه هو الذي يحدد الإنتاج وتوزيع الموارد، في ظل غياب أي رقابة للدولة في هذا الجانب. وعلى العكس تماما نجد المجتمعات التي تأخذ بالتخطيط الشـــمولي كالدول الاشتراكية*، تكون الأولوية لمصلحة المجتمع متمثلة بهيمنة الدولة ذات الحزب الواحد والتوجه الشمولي.

          ومن عيوب النظام الرأسمالي أنه يحرم طبقات الدخل والإنفاق المحدودين من أن يكون لها صوتاً مسموعاً، إذ إن المستهلك القادر على الدفع، والذي يتمتع بقدرة عالية على الإنفاق، سيكون هو هدف التوجه الرئيس في الإعلان الرأسمالي. وعلى العكس من ذلك نجد النظام الاشتراكي يهمل رغبات المستهلك نهائيا، ما يؤدي إلى رداءة المنتجات، فضلا عن عدم توافرها في أحيان كثيرة، ولا بديل أمام المستهلك إلا الانتظار أمام مراكز التوزيع الرسمي للظفر بنصيبه المفروض من الزبدة أو اللحم، وإن كان الحديث عن هذه الدول هنا هو من قبيل التحديد لا أكثر، لأن هذه الأنظمة لم تعد موجودة بالمعنى الذي كان مطروحا قبل انتهاء الحرب الباردة وتفكك الكتلة الشيوعية، وجنوح الصين إلى نظرية اقتصادية خاصة بها.

          ومن نافل القول أن النموذجين كليهما يتعارضان تعارضا شبه كامل مع النموذج الإسلامي القائم على عدة ركائز رئيسة منها، على سبيل المثال لا الحصر: إنتاج ما يرضي الله وينفع الناس، لذا لا يعتبر إنتاج المحرمات كالمخدرات مثلا إنتاجا نافعا بصرف النظر عن مواصفات وسعر المنتج، وعدم الاحتكار واستغلال حاجات المستهلكين بأية صورة كانت، علما أن الإنتاج موجه أصلا لأصحاب الدخول المنخفضة لإشباع حاجاتهم الضرورية، ثم لأصحاب الدخول المتوسطة فالعالية.

كما اشترط الإسلام على البائع توضيح العيوب الموجودة في السلعة كشرط للبيع  ((من غشنا فليس منا)) فلا يحق لإنسان أن يعلن أو يبيع سلعة فيها عيب إلا إذا أظهر للمشتري العيب وعرفه به، فإن رضي به فلا ذنب عليه وإلا دخل ذلك في باب الخداع والغش. وللمشتري إذا اكتشف العيب خلال ثلاثة أيام أن يعيد السلعة التي اشتراها ويسترد الثمن، فقد أمر الرسول  (صلى الله عليه وسلم)  الباعة بأن يقولوا عند البيع  ((خلابة))  أي: لا خداع في البيع، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المجال لذكره..



عدد المشاهدات: 3453



إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي موقع المؤسسة العربية للإعلان الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها



التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد:
تعليقك:
يرجى ادخال رمز التحقق (حالة الاحرف غير مهمة فيما اذا كانت احرف صغيرة أو كبيرة) وبعد الانتهاء انقر خارج مربع ادخال الكود للتاكد من صحته :
 [تحديث]






للأعلى